عرف العالم البطولات الرياضية الكبرى قديما، منذ عهود الإغريق والرومان، حيث كانت تنظم مباريات في المصارعة، يشاهدها جمهور حاضر في بناء يشبه المسرح الروماني الموجود بالإسكندرية، وهو البناء الذي كان له تأثيره على كل أشكال الملاعب الرياضية التي بنيت لاحقا، وصولا إلى استاد القاهرة.
ويقال إن الإغريق أيضا أخذوا الألعاب الأولمبية عن الفينيقيين سكان الساحل الشرقي للبحر المتوسط هواة الهجرة والترحال، الذين بنوا أول ملعب في العالم ومزجوا بين الرياضة وإقامة الطقوس الوثنية.
ويعرف التاريخ الحديث أن أول أولمبياد أقيمت في اليونان عام 1896، والثانية كانت في باريس سنة 1900.
أما في مصر، فلم يكن بها ستاد قانوني (أوليمبي)، حتى سنة 1929، حينما بني استاد الإسكندرية، الذي يعد أقدم ملعب لكرة القدم في أفريقيا والوطن العربي.
بالتأكيد سبق بناء هذا الاستاد ملاعب أخرى لكرة القدم، مثل ستاد مختار التتش الذي كان في الأصل حوش صغير للعب الكرة، تم تطويره إلى ملعب حقيقي سنة 1917، باسم ملعب الأمير فاروق، لكنه ظل ملعبا لكرة القدم، وليس ستاد أوليمبي.
أما ستاد القاهرة الدولي، وعلى الرغم من بداية إنشائه في عهد الرئيس جمال عبدالناصر سنة 1958، ثم افتتاحه في عيد ثورة يوليو سنة 1960، إلا أن التفكير فيه، بل تصميمه، يرجع إلى قبل ذلك بأكثر من 10 سنوات.
طبق الأصل
في أبريل من العام 1948، (أي قبل الشروع في بنائه)، عثرنا على صورة وكأنها طبق الأصل من ستاد القاهرة الدولي، في مجلة “المصور”، وذلك في تقرير أعطاه كاتبه محمد طاهر باشا، عنوان “القاهرة.. العاصمة الحديثة الوحيدة التي ليس بها استاد”.
وطاهر باشا هو طبيب مصري في العلوم السياسية، من أصل تركي، أسس دورة ألعاب البحر الأبيض المتوسط، وكان رئيسا للجنة الأولمبية المصرية، وأيضا عضو في اللجنة التنفيذية اللجنة الأولمبية الدولية في الأعوام بين 1952 إلى 1957.
ويبدأ الموضوع بجملة “إنه لمن العار حقا أن تبلغ بلادنا كل هذا الرقي، ثم تنفرد القاهرة بخلوها من ملعب رياضي كبير (ستاد)”.
ويضيف طاهر باشا، أن مسألة الاستاد مسألة محزنة ومؤسفة معا، فليس هناك بلد متمدين ليس به استاد إلا مصر زعيمة دول الشرق العربي، متابعا “ها أنا ذا أقص قصة الاستاد من أولها لكي أبين أن الإيمان بالرياضة مايزال ينقصنا، ولذلك ترانا نفتقر إلى أكبر دعامة من دعائمها”.
بداية الحكاية
ويحكي الطبيب والرياضي الكبير الحكاية فيقول “في سنة 1936 خطت اللجنة الأهلية للرياضة البدنية خطوة عملية عقب أولمبياد برلين، فدعت المهندس الألماني (الهر فانور رمازش) الذي صمم ملعب برلين، فحضر إلى القاهرة ودرس معها المشروع، ثم اتصلت بمصلحة المباني الأميرية حيث وضع تصميم لهذا الملعب، وقد جاء في تقرير اللجنة لسنة 1937 أنها واصلت سعيها لدى السلطات العليا لتحقيق إقامة هذا الملعب، خصوصا وقد زاد شعورها بذلك، عندما رغبت في أن تنال مصر حظها من الدورات الأولمبية”.
ويضيف “وعندما أنشئت وزارة الشؤون واصلت السعي لتنفيذ المشروح، واقترحت إدارة الرياضة بها إدراجه ضمن برنامج السنوات الخمس، وفي سنة 1944 بمناسبة مشروع مدينة الأوقاف الجديدة بجوار الزمالك، حجزت وزارة الشؤون الاجتماعية قطعة أرض من هذه المدينة مساحتها 211 ألف و567 متر مربع للمشروع، ثم شكلت لجن حكومية أقرت حجز المساحة المطلوبة، فاعترضت وزارة الأشغال بأن ثمن الأرض يبلغ حوالي 211 ألف و567 جنيها (المتر بجنيه واحد)، وطلبت إعادة النظر في الموضوع واختيار قطعة أرض أخرى لإنشاء الملعب، تكون أثمان الأراضي فيها منخفضة”.
ويكشف طاهر باشا أن إدارة الرياضة بوزارة الشؤون أدرجت 200 ألف جنيه في مشروع ميزانية سنة 1946 – 1947 للبدء في مشروع ستاد القاهرة ولكن المبلغ لم يدرج فيها، وعادت وزارة الشؤون إلى إدراج هذا المبلغ في ميزانيتها للسنتين التاليتين (أي 1948 – 1949)، إلا أن وزارة المالية حذفته من الاعتماد.
ستاد القاهرة في انتظار الحل
وينهي طاهر باشا تقريره بفقرة قال فيها “إن هذا هو مجمل الخطوات التي تمت بشأن ذلك المشروع وجهود الهيئات الأهلية والوزارات المختلفة لتنفيذه، وبقى أن نجد من يؤمن بقيمة هذا الاستاد وضرورته لمصر، فيدفعه إيمانه لأن يجعل من الحلم حقيقة”، وهو ما تحقق فعلا بعدها بسنوات في عهد عبدالناصر.
“المصور” كان لها تعقيب على كلام طاهر باشا، حيث ركزت على أهمية الرياضة كوسيلة للتقدم وللقوة، بل نصحت الدولة أن تقيم الاستاد في أرض نادي الجزيرة (سبورتينج)، حيث هناك 200 فدان تملكها الدولة، وأن الاستاد لن يحتل إلا جزءً بسيطا من هذه المساحة الكبرى.
بقى أن نذكر أن الاسم المتداول للمعماري الألماني الذي صمم ملعب برلين هو فيرنر مارش، فربما أخطأ طاهر باشا في ذكر اسمه، أو ربما هو الأصح، وأن المتداول على سبيل الخطأ الشائع.
اقرأ أيضًا: بالسيديهات.. ما فعله “الخلوق مرتضى منصور” بالزمالك في 1200 يوم!