في فيلم المخرج الإيطالي جوزيبي تورناتوري “سينما باراديسو الجديدة – 1988″، يعود البطل إلى بلدته ليجد أن عامل ماكينة عرض الأفلام الذي مات، ترك له هدية قيمة، عبارة عن شريط عرض مكون من جميع اللقطات المحذوفة بأمر قسيس القرية، الذي كان يشاهد الأفلام قبل عرضها على الجمهور، ويحذف –من وجهة نظره- ما يرى أنه غير لائق للمشاهدة.
الثالوث المقدس
ويبدو أن فكرة الرقابة سواء كانت مقننة من قبل الدولة أو بشكل غير مقنن نتيجة لضغوط رجال الدين والمثقفين، ستستمر لعهود طويلة مقبلة، على الرغم من توافر مشاهدة وتحميل الأفلام عبر شبكة الإنترنت إلا أن أفلاما معينة لن يتم عرضها على شاشة الفضائيات أو دور السينما لأسباب مختلفة.
يعد انتهاك الثالوث المقدس “الجنس والدين والسياسة” سببا كافيا لمنع عرض أي فيلم، بل وشن هجوم إعلامي قاس على صناعه وتشويههم بحجة الدفاع عن الأخلاق أو الوطن أو الدين، وفي مصر تعرضت عدة أفلام لهجوم شديد في وسائل الإعلام ودور العبادة، أدت إلى وقف عرض البعض منها بقرار من المحكمة، بينما هناك أفلام أخرى لم تفكر دور السينما في عرضها أصلا لمعرفتها بالنتيجة مسبقا، خاصة الأفلام التي تحمل رؤى دينية مثل أفلام تجسيد الأنبياء.
قائمة الأفلام المثيرة للجدل في مصر كثيرة، ومنها مثلا: “المهاجر – 1994” ليوسف شاهين والذي رفعت ضده قضايا أمام المحاكم، وهو ما حدث أيضا مع “بحب السيما – 2004” لأسامة فوزي، وكذلك “ناجى العلي – 1991″ لعاطف الطيب، و”آلام المسيح – 2004″ لميل جيبسون، و”نوح – 2014” لدارين أرنوفسكي، كما تم منع فيلمين بقرار من الرقابة وهما: “الخروج آلهة وملوك – 2014″ لريدلي سكوت، و”قائمة شندلر – 1992” لستيفن سبيلبرج.
أئمة التحريم
دفة منع الأفلام أو عرضها مع حذف بعض مشاهدها، يقودها جبهتين، الأولى وهى الأقوى والأشهر والأكثر مطالبة بالمنع، وهى المؤسسات الدينية “الأزهر ودار الإفتاء وجبهة كبار العلماء والمشايخ المستقلين”، وتتعرض تلك الجبهة للأفلام التي تتناول الدين والأنبياء بالدرجة الأولى، تليها الأفلام التي تحتوى على مشاهد إباحية، والحجة الدائمة هي أن تلك الأفلام تقدم الأنبياء بشكل يتنافى مع مقام الرسل، وتمس الجانب العقائدي وثوابت الشريعة الإسلامية وتستفز مشاعر المؤمنين، وتعد حرام شرعا، ومن المعارك التي دخلتها ونجحت فيها، منعها عرض مسلسلي يوسف الصديق وعمر، على شاشات التليفزيون المصري، ومطالبتها بمنع تصوير أو عرض فيلم “محمد” للمخرج الإيراني مجيد مجيدي.
أما الجبهة الثانية فهي الأقل صوتا في المنع، وهى جبهة المثقفين “إعلاميين وصحفيين وكتاب وسياسيين وحقوقيين وفنانين”، وتتصدى تلك الجبهة للأفلام التي تحمل رؤى فكرية مخالفة تمس الثوابت الوطنية والصراع مع إسرائيل، مثل إعلاء قيم الصهيونية ونفي الوجود الفلسطيني وحقوق شعبه، وهو ما تعرضت له أفلام مثل “قائمة شندلر” الذي ركز على محنة اليهود في الهولوكست، و”مملكة الجنة” الذي قالوا أنه يدعو إلى التطبيع ووجود حق يهودي في مدينة القدس.
القيمة الفنية وإثارة الجدل
وبعيدا عن الحروب الإعلامية حول تلك الأفلام، والتي قد يتم تمرير بعضها بشرط حذف مشهد أو مشهدين، حتى لو أدى ذلك الى تشويه الفيلم، لكن هناك أفلام لن تعرض مطلقا سواء على الشاشة الكبيرة أو الصغيرة، ولن تتم مشاهدتها في المنزل عبر الفضائيات، وبخلاف الأفلام الإسرائيلية، هناك العديد من الأفلام من جنسيات أخرى، تتميز في قيمتها الفنية العالية وتنفيذها من قبل مخرجين مشهورين، إضافة إلى اشتراكها في مهرجانات دولية، وربما تكون جرأتها سببا في عدم منحها جوائز تجنبا للصدام مع النقاد والجمهور.
القائمة تحتوى على العديد من الأفلام، مثل فيلم الإيطالي برتولوتشي “التانجو الأخير في باريس – 1972″، والذي منع في العديد من العواصم الأوروبية، وأصدرت محكمة إيطالية قرارا بحبس مخرجه لصناعته عملا يدعو للانحلال، ومؤخرا كشفت الصحافة أن المخرج وبالاتفاق مع مارلون براندو، أخفيا عن البطلة ماريا شنايدر، مشهد الاغتصاب الذي فؤجئت به أثناء التصوير، بحجة الرغبة في أخذ رد الفعل الحقيقي من شنايدر التي كان عمرها وقت تصوير الفيلم 19 سنة.
وكذلك فيلم المخرج الإيطالي بازوليني “120 يوما في حياة سدوم – 1975″، والذي تضمن مشاهد جريئة ومقززة وعنيفة حول الجنس بكافة أنواعه، وأيضا فيلم المخرج الأمريكي ستانلي كوبريك “عيون مغلقة على اتساعها – 1999″، من بطولة نيكول كيدمان وتوم كروز، ويدور في نيويورك حول جماعة غامضة تمارس طقوسا سرية وغريبة داخل منزل أحد الأثرياء ويحتوى على مشاهد عري وجنس جماعي، وفيلم “شبق – 2013” المخرج الدنماركي المثير للجدل “لارس فون ترير”، وعرضه في السينما على جزأين، نظرا لطول مدة عرضه، ويدور حول مفهوم الجنس.
والعديد من تلك الأفلام صنفتها بعض الدول الغربية باعتبارها “بورنوغرافيا”، وسمحت بعرضها في الدور المخصصة لتلك الأفلام ولفئات عمرية محددة، وهذا التصنيف وإن كان غير دقيقا إلا أنه سمح بالتحايل على قرارات المنع وشق الفيلم طريقه لدور العرض، وسنتناول هنا ثلاثة أفلام يستحيل عرضها على الشاة الصغيرة.
الإنجيل الجديد
يعد المخرج البلجيكي “جاكو فان، دورميل” من مواليد 1957، مقلا في أعماله الفنية، ولكنه ترك بصمة لا تنسي في عالم السينما، منذ فيلمه الأول “توتو البطل – 1991″، وفاز عنه بجائزة الكاميرا الذهبية في مهرجان كان السينمائي، ثم “اليوم الثامن – 1996” ويدور حول مراهق مصاب بمتلازمة داون، وفي عام 2009 قدم فيلمه الناطق بالإنجليزية “السيد لا أحد”، وهو فيلم فلسفي يدور حول الأيام الأخيرة لآخر البشر الفانين، بعد توصل الإنسان للخلود وهزيمة الموت، أما آخر أفلامه فهو “الإنجيل الجديد كليا – 2015”.
الفيلم الأخير سيكون صادما للعقلية العربية والتي لن تتقبله، لعرضه الرب كشخص يقضي وقته في ابتكار القوانين والقواعد الغريبة، التي تزيد من صعوبة الحياة على البشر، وتروي الطفلة “إيا” قصة فرارها من بيت أبيها “الرب” إلى عالم الإنسان، للبحث عن الحواريين الخاصين بها لكتابة إنجيل جديد.
الفيلم محمل بالسخرية من كل شيء، منحازا للإنسان عموما وللمهمشين في المجتمع، حيث جاء اختيار “ايما” لحواريها من فئات غير مرئية، مثل رجل الشارع والموظف المخنوق من روتين العمل، والقاتل المأجور، والسيدة الفاقدة للحب رغم جمالها الفائق، تشكيلة غريبة يعهد لها بكتابة الإنجيل، الذي سيصنع نهاية مختلفة للعالم تخلصه من العذاب والألم.
إمبراطورية الحواس
تناول المخرج الياباني ناجيزا أوشيما في فيلمه “إمبراطورية الحواس – 1976″، فكرة فلسفية حول علاقة الجنس بالموت، وتضمن الفيلم مشاهد إيروتيكية جريئة، اعتبرها البعض -وقتها- صادمة وقاسية، ورغم فنيته العالية وحرفية المخرج، إلا أن الفيلم آثار استهجان البعض عند عرضه في المهرجانات الدولية، وهو الأمر الذى واجهه في مهرجان كان 76.
لم يتوقف الأمر عند آراء النقاد وجمهور المهرجانات في الفيلم، حيث صادرته جمارك الولايات المتحدة بحجة احتوائه على مشاهد فحش وعري، كما تم منعه في بريطانيا في البداية ثم سمح بعرضه فى دارين فقط بعد تغيير اسمه.
الفيلم الذي تم تصويره في فرنسا، مستوحى من قصة حقيقية وقعت في اليابان عام 1936، حيث قامت بائعة هوى بقطع عضو حبيبها وهامت في الشوارع وهى تمسك به، وجاء الاعتراض على الفيلم من المشاهد الجنسية الصريحة دون مواربة أو استخدام رموز للدلالة على الفعل، حيث تتحرر شخصياته من كافة القيود المجتمعية، وتنهمك في فعل الحب بكل أشكاله بما فيها السادية والمازوخية، للوصول إلى أقصى حدود النشوة والتي ربما تتضمن الرغبة في القتل أو تملك الطرف الآخر بالمعنى الحرفي للكلمة.
ويعد أوشيما (1932 – 2013) من رواد السينما الجديدة في اليابان، ودرس الحقوق والعلوم السياسية ودخل مجال السينما بالصدفة، عندما عمل مساعد مخرج لأحد أصدقائه لمساعدته في فيلمه، ومن أفلامه الأخرى الشهيرة “إمبراطورية العواطف – 1978″ و”تابو – 1999″. و”كريسماس سعيد يا مستر لورنس – 1983”.
ولم يتم عرض فيلمه الأشهر “إمبراطورية الحواس” بشكل كامل ودون اقتطاع أجزاء منه لليابانيين إلا في عام 2000. ويعتبره بعض النقاد أول فيلم في تاريخ السينما يقدم علاقة حميمية حقيقية وليست قائمة على التمثيل.
حياة آديل
يقدم المخرج الفرنسي عبد اللطيف كشيش أسلوبا خاصا به في أفلامه، وتحديدا فلميه “كسكسي بالسمك – 2007″ و”حياة آديل – 2013” حيث يعتمد على مشاهد طويلة نسبيا ترصد تفاصيل من الحياة اليومية لشخصياته ربما تبدو للبعض عادية وغير ذات قيمة، كما أن بعض حواراته في بعض المشاهد تبدو أيضا “عادية”، لكن كل ذلك يشكل في النهاية عالما يعيش بيننا دون أن ننتبه له، وهو ما ينجح كشيش في التقاطه وتقديمه، فتسجيل “اليومي” و”العادي” تيمة وجدت طريقها للأدب والسينما باعتبار أن ذلك “العادي” هو جزء من تاريخ الفرد، وبالتالي تاريخ العالم.
فيلم “حياة آديل” أو “الأزرق لون أكثر دفئا” حصد السعفة الذهبية لمهرجان كان 2013، وآثار ضجة كبرى لاحتوائه على مشاهد حب مثلية بين فتاتين إحداهما مراهقة، ونجح كشيش رغم كثرة تلك المشاهد فى عدم السقوط في فخ “البورنو” وجاءت تلك المشاهد “جمالية وفنية” أكثر منها “حسية”، كما استطاع كشيش إدارة وتوجيه بطلتيه مستخرجا منهما أدق الأحاسيس والمشاعر، وسيعد هذا الفيلم أهم دور أدياه في حياتهما الفتية.
الفيلم الذي كتب كشيش السيناريو له، يتميز بطوله حيث يقترب من الثلاث ساعات، وهو مأخوذ من كوميكس بنفس الاسم للفنانة جولي ماروه، ويدور حول طالبة في المرحلة الثانوية تدعى “آديل” وأدت دورها الفنانة الفرنسية المنحدرة من أصول يونانية “أديل إيكاركوبولوس”، تلتقى صدفة بطالبة فنون جميلة تدعى “ايما” والتي تتميز بشعرها الأزرق، وأدت دورها الفنانة “ليا سيدو”، ويبحث في أحداثه مفهوم الحب والحرية في المجتمع الفرنسي.
اقرأ أيضًا: