لم يعد محمد صلاح لاعب المنتخب الوطني لكرة القدم والمحترف بنادي ليفربول الإنجليزي، مجرد لاعب يمكن الاستمتاع بمهارته في الملعب أو الإشادة بتسديداته التي تحصد الفوز دائما، بعدما تخطى كل هذه الحدود في مباراة مصر والكونغو بالتصفيات المؤهلة لكأس العالم، والتي كانت بمثابة بوابة العبور للفراعنة للعودة إلى المونديال بعد غياب دام 28 عاما، بفضل إصراره وتمسكه بالنجاح.
فقد أثبت صلاح، أن الرياضة عامة وكرة القدم خاصة، يمكن أن تمنحنا دروسا مبهرة في النجاح والتقدم، وتعلمنا كيف نتمسك بأحلامنا مهما كانت الظروف ومهما واجهنا من عقبات ربما في أوقات قاتلة قد يراها البعض بمثابة النهاية.
كان أكثر من يؤمن بقدراته داخل الملعب، ويثق في إمكانية تحقيقه لحلمه، كان يرى الصورة بمنظار آخر، أكبر وأشمل، استطاع من خلاله أن يرا ما لا يراه الآخرون، وأن يكتشف السلاح الحقيقي الذي يساعده على تحقيق ما بدا مستحيلا للآخرين.
صلاح، هذا الشاب الملهم، الذي لم يتخط الخامسة والعشرين من عمره، حظي بنفس الفرص البسيطة التي حظى بها الآخرون، إلا أنه حولها إلى فرص عظيمة ومنح لا تعوض، ليتحول بفضل إصراره إلى واحدا من أمهر اللاعبين في العالم، وأغلى لاعب في تاريخ كرة القدم المصرية.
في السطور التالية، سنستعرض الدروس الملهمة التي علمها صلاح لجيل كامل من الشباب، سواء ممكن يكتفون بالتشجيع في المدرجات، أو أولئك الذين يمتلكون أحلاما أكبر للنزول واللعب داخل المستطيل الأخضر، دروس ربما تتخطى الاستفادة منها عالم الساحرة المستديرة، إلى كل الراغبين في النجاح وتحقيق أهدافهم في مختلف المجالات.
لن تفوز إذا لم تبدأ
البداية دائما ما تكون أصعب خطوة في مسيرة أي شخص يسعى وراء النجاح، فالخوف من الفشل وعدم الثقة بالنفس وأسباب أخرى كثيرة، تدفع المترددون للبقاء في المربع رقم صفر، ولكن كيف يمكن أن تكتشف حقيقة قدراتك وملائمتك على المنافسة إذا لم تبدأ سعيك فعلا ورحلة بحثك عن حلمك؟
فإذا كنت تخشى أنك غير كفء بالشكل المطلوب، أو أنك لست الشخص المناسب لهذه المهمة، حسنا، افعلها أيا كانت النتائج، احلم وثق في نفسك، فهناك دائما متسع لأن تطور من نفسك وتحسن من مهاراتك فقط إذا كنت تؤمن بقدراتك.
كان لدى محمد صلاح منذ صغره، حلم يعمل من أجل تحقيقه ليل نهار ويسعى وراءه دون ملل أو كلل، حتى استطاع اقتناص فرصة اللعب في “دوري المدارس”، الذي كان يستهدف البحث عن المهارات الكروية بين طلاب المدارس.
كان يبلغ حينها 14 عاما، وتقدم معه إلى “دوري المدارس” مليون طالب من مختلف محافظات الجمهورية، وفي النهاية، تم اختيار 70 لاعب فقط ليصبحوا لاعبين محترفين، كان صلاح واحدا منهم.
في عام 2008، بدأ ممارسة كرة القدم بشكل احترافي مع فريق المقاولون العرب، حيث خطف قلوب الجميع بمهاراته ولعبه رفيع المستوى، بعدما صنع وأحرز 7 أهداف خلال 13 مباراة خاضها.
فلو لم يبدأ صلاح ويقرر اقتناص فرصة دوري المدارس، وفضل بدلا منها الانتظار إلى أن يأتي من يطرق بابه ويسأل: هل لديكم لاعب ماهر في المنزل يمكن أن يحترف في أوروبا؟ ما كان استطاع أبدا أن يدخل التاريخ بعدما قاد المنتخب الوطني إلى مونديال روسيا 2018.
اكتساب المهارات
قد تكون شخص موهوب ومحظوظ، واستطعت أن تحصل على فرصة مناسبة في مجالك، هذا أمر جيد، ولكن المهارة لن تضمن لك النجاح سوى فترة قصيرة جدا، ولن يستمر نجاحك مهما كانت قدراتك، إلا بالعمل الشاق والمثابرة حتى تستطع ضمان النجاح الدائم.
فالناس دائما يبحثون عن “الأساطير” في أي مجال كان، سواء كانت كرة القدم أو غيرها من المجالات، يبحثون عنهم ويتعلمون منهم ويكتبون عن إنجازاتهم، حتى ولو لم يعد هؤلاء الأساطير بنفس كفاءاتهم في الماضي بحكم السن والزمن، وذلك بفضل أنهم عرفوا سر النجاح، المثابرة والعمل باجتهاد.
صلاح كان واحدا من هؤلاء الأساطير، لم يضع سقفا لطموحاته، لم يجعل أقصى أهدافه اللعب لناديي الأهلي أو الزمالك، بل كان ينظر دائما إلى العالمية، وعندما تحقق له ما أراد، لم يتوقف عن استكمال حلمه، لم يتعامل على أنه حقق ما لم يحققه الآخرون في بلده، بل استمر في مواصلة الصعود، والتقدم من درجة إلى آخرى دون ملل أو تراجع، حتى بات اللاعب الأشهر في الوطن العربي والمرشح لجائزة أفضل لاعب في أفريقيا.
اعرف قدراتك
لا تسعى أبدا للتخفي وراء أي شيء قد ينسيك حقيقية قدراتك، بل اسعى دائما لمعرفة حقيقة مستواك ومهاراتك، والأهم من ذلك، معرفة عيوبك ونقاط ضعفك، حتى تستيع مواصلة مشوارك نحو النجاح.
فالبرغم من أن صلاح اشتهر في الأوساط الرياضية بسرعته الفائقة، إلا أنه عندما سئل عن الأشياء التي يتمنى أن يعمل على تحسينها في مهاراته قال إنه يريد استخدام قدمه اليمنى في التهديف بشكل أفضل، وتحسين التسديد من خارج مربع الجزاء، وتسجيل الأهداف برأسه، وأخيرا، تحسين سرعته داخل الملعب!
فالشاب الخلوق يعرف جيدا مهاراته، ويعرف كذلك نقاط ضعفه والتي لا يخشى من التصريح بها، بل على العكس يعلنها صراحة، ويسعى من أجل تلافي هذه النقاط وتحويلها إلى نقاط قوة.
حدد أهدافك
أي شخص احترافي، في أي مجال، يجب عليه قبل أن يبدأ مشواره، أن يحدد أهدافه بدقة، وما هو الحلم الذي يسعى من أجل الوصول إليه، وعلى هذا الأساس يقوم بتحديد الوسائل التي سوف تساعده في تحقيق مبتغاه، ثم الانطلاق وراء هدفه.
كان حلم صلاح من البداية، أن يسعد 100 مليون مصري، ويقود منتخب الفراعنة إلى المونديال، ذلك الحلم الذي كان يتشوق إليه المصريون عاشقو كرة القدم طوال عقود، بعدما أخفقوا في تحقيقه منذ عام 1990 وحتى قبل أيام مضت، وهو حلم يمكن لأي شخص أن يضعف أمامه مهما كانت مهاراته وقدراته، إلا أن صلاح لم يفعل، بل تمسك بحلمه، وثابر من أجله، حتى نجح في تحقيقه.
حدد صلاح الوسائل التي سوف تعينه على تحقيق هدفه، وهو العمل بجد واجتهاد، وبدأ مشوار كفاحه، ورفض الاستسلام لكل العقبات التي واجهته، وحرص دائما على التواجد في صفوف المنتخب الوطني مهما كانت الظروف والضغوطات، وكان مفتاحه إلى ذلك التألق مع الأندية العالمية التي لعب لها، فأصبح اسمه أول اسم يوضع في قائمة اللاعبين المطلوبين لتمثيل منتخب مصر في المباريات الدولية.
عندما كان يلعب لنادي بازل السويسري، نجح في مساعدة الفريق على حصد لقب الدوري، كما قاد الفريق لنصف نهائي بطولة الدوري الأوروبي، حتى حصد جائزة الاتحاد الأفريقي لأفضل لاعب صاعد في موسم (2013/2012)، وفي العام ذاته، فاز بجائزة أفضل لاعب في سويسرا.
هذه الجائزة جاءت بعدما أثبت أنه بات أهم لاعب في بازل، ونجح في إحراز هدف في مرمى شباك نادي تشيلسي الإنجليزي عندما واجهه في إحدى البطولات الأوروبية، ليساعد بازل على التغلب على النادي اللندني في مباراة لن ينساها السويسريون.
طور من طموحك
في بعض الأحيان، قد يأتي الشيء الصحيح في الوقت الخاطئ، ولكن هذه ليست مشكلة، إن كنت على استعداد للحصول على وقفة مع النفس وتطوير أهدافك وطموحاتك بما يتلاءم مع الوضع الجديد، ثم تكمل مسيرتك.
وقع محمد صلاح مع نادي تشيلسي الإنجليزي عام 2014، إلا أنه لم يحقق النتائج التي كان يحلم بها مع “البلوز”، حتى أنه لم يسجل سوى هدفين في 19 مباراة شارك فيها مع تشيلسي، وهو ما أبعده عن المستطيل الأخضر إلى قائمة الاحتياط.
وفي مقابلة له مع “فرانس فوتبول”، قال إنه بالرغم من عدم سعادته لوجوده احتياطيا مع فريق تشيلسي، إلا أن تلك الفترة منحته وقتا للتفكير فيما وصل إليه وكيف تعامل مع الفرص التي جاءته، وكان يؤمن أن انضمامه إلى تشيلسي لحظة هامة في تاريخه الكروي، إلا أنه فجأة وجد نفسه يلعب تحت قيادة أهم مدرب في العالم “جوزيه مورينيو” وبين أمهر لاعبين في العالم، وهو لايزال في هذه السن الصغيرة، وحرص على ألا يصاب بالإحباط.
وهو ما فعله صلاح بالفعل، فعندما تمت إعارته إلى نادي روما الإيطالي، عمل بجد واجتهاد، وقدم أفضل ما لديه ونجح في تسجيل 9 أهداف خلال النصف الثاني من الموسم، وهو ما دفع الفريق الإيطالي للتوقيع بشكل نهائي مع صلاح للحصول على خدماته كاملة.
وبعدما أحرز 18 هدفا مع روما، وقاد الفريق إلى بطولة أبطال أوروبا، حصد جائزة أفضل لاعب عربي في عام 2016.
روح الفريق
الفرق بين النجاح والفشل، هو العمل مع فريق رائع. فلا يوجد شيء أهم من العمل مع فريق كامل متعاون متجانس، لكي تستطع تحقيق أهدافك دون عراقيل.
ولكن لا تنتظر أن تجد مثل هذا الفريق مصادفة، بل عليك أنت صناعة هذا الفريق، عبر التعاون والتواضع، وإشاعة روح الأخوة بين جميع أفراد الفريق، لضمان حماسهم وسعيهم نحو الهدف الرئيسي الذي يحلم به الجميع.
وهو ما صنعه صلاح مع زملائه بالمنتخب الوطني، بعدما استطاعوا جميعا تشكيل فريق ناجح متجانس، الكل فيه بمثابة جنود يؤدون واجب عظيم.
وفي المباراة الأخيرة مع الكونغو، جسد صلاح هذا المعنى بدقة وأمام عدسات الكاميرات، فعندما تمكن لاعبو الكونغو من تسجيل هدف التعادل في الدقائق الأخيرة من المباراة، ظن الجميع أن فرصة التأهل قد ضاعت من الفراعنة، أو على أقل تقدير سوف يتم تأجيل حسمها، إلا أن صلاح الذي ارتمى على الأرض من شدة الحزن، قام سريعا وساعد زملائه على النهوض وعدم الاستسلام، وبث فيهم روح الإصرار، التي أسفرت عن حصولهم على ضربت جزاء في الدقيقة الأخيرة من الوقت بدل الضائع، الضربة التي تصدى لها صلاح بكل تماسك وعزيمة، وبأعصاب من حديد، ليضع الكرة على يسار الحارس الكونغولي، ويقود زملائه إلى كأس العالم في روسيا 2018، ويهدي المصريين فرحة لن ينسوها أبدا.
نقلا عن موقع: Think Marketing