تضم إحدى مقابر قرية بني حسن في محافظة المنيا بصعيد مصر، مجموعة من النقوش والرسومات تسجل زيارة وفد آسيوي لمصر يضم 37 شخصا من البدو، بين رجال ونساء وأطفال.
وأثار هذا النقش الكثير من علامات الاستفهام حول سبب إقدام المصريين على تسجيل مثل هذه الزيارة، وهو أمر غير معتاد لدى الفراعنة.
وكانت من أكثر النظريات اللافتة التي فسرت هذا النقش، هي النظرية التي تقول أن تلك الرسومات تسجل زيارة نبي الله إبراهيم عليه السلام إلى مصر برفقة زوجته سارة ونبي الله لوط، بالإضافة إلى السيدة هاجر التي قدمها له فرعون مصر كهدية، حيث رافقته في رحلته إلى الجنوب، ليتم تسجيل هذه الزيارة على جدران تلك المقبرة، تقديرا لمكانة نبي الله الذي استشعرها المصريون في ذلك الوقت.
نقش غريب
على بعد 20 كيلو متر عن مدينة المنيا، تقع منطقة أثرية فيها جبانة مصرية قديمة، تعرف بمقابر بني حسن.
وفي مقبرة “خنوم حتب الثاني”، الذي كان يعمل مديرا للصحراء الشرقية في عهد الفرعون سنوسرت الثاني، وبالتحديد على الجدار الشمالي للمقبرة، يوجد نقش يمثل قافلة من 37 شخصا وقد أقبلوا بقيادة زعيمهم الذي أطلق عليه النقش اسم “إبشاي”، وقد حملوا الكحل، فيما يعزف بعضهم الطنبور -آلة موسيقية- ولهم سمات الأسيويين من لحى كثيفة، وملابس صوفية مزركشة ذات خطوط وزخارف طولية، وملونة، وقد كتب عند اسم “إبشاي” وبأسفل الوعل الذى بيده كلمة “حكا خاسوت” وتعني حاكم البلدان الأجنبية.
نظرية إبراهيم
ومن أشهر من قالوا بنظرية أن تلك النقوش تسجل زيارة نبي الله إبراهيم عليه السلام إلى مصر، هو الدكتور رشدي البدراوي في كتابه الشهير “قصص الأنبياء والتاريخ”.
ويرى البدراوي، أن زيارة إبراهيم إلى مصر كانت في عصر الأسرة الثانية عشرة، خاصة وقت ازدهارها في عهد أمنمحيت الثاني وسنوسرت الثاني وسنوسرت الثالث، قائلا إنه من الصعب تحديد الوقت بدقة، ولكن من المرجح أن الزيارة كانت في عهد سنوسرت الثاني.
ويضيف أن البعض اتخذ من هذا النقش دليلا على رخاء مصر ورفاهيتها، إلا أنه يرى أن هذا التفسير كان يمكن أن يكون مقبولا لو أن النقش موجود في مقبرة في الدلتا أو في الجزء الشمالي من الوجه القبلي، إلا أن وجوده في بني حسن قرب ملوي، يوحي بأن سبب الزيارة شيء آخر غير التجارة، كما أن قدوم وفد للتجارة ليس له هذه الأهمية البالغة بحيث يستحق تسجيلها، وإلا لوجدنا عشرات ومئات من هذه النقوش على عدد من المقابر.
كذلك كان الأسيويون يقومون أحيانا ببعض الغارات للحصول على الحبوب للغذاء حينما يصيب القحط بلادهم. وكان المصريون يصدون هذه الغارات وقد يسجلونها لو كانت غارات كبيرة لتخليد انتصارهم، وكانوا حينئذ يصورون الآسيويين مقيدين أو يسجدون للفرعون، بعكس نقش مقبرة بني حسن، حيث صور الأسيويين مرفوعي الرأس ومعهم رماحهم.
ويقول أن الكتابة الموجودة بجوار النقش كذلك تثير العديد من التساؤلات، حيث تقول: ويتقدم الجماعة رئيسها حاكم البلاد الأجنبية “إبشاي” ويحمل لقب حق أي أمير.
ويشير البدراوي إلى أنه من المسلم به أن إبراهيم عليه السلام كان رئيس الجماعة التي كانت معه عند زيارته إلى مصر، كما أنه كان من القوة في حبرون وبئر سبع، والبعض يقول إنه قد ملك دمشق في ذلك الوقت، لذلك فإن وصف “حاكم البلاد الأجنبية” ينطبق عليه.
أما بشأن ملابس النسوة اللاتي ظهرت في النقش، وعددهم أربعة، فيقول البدراوي، أنه لو دققنا النظر في هذه الملابس، لوجدنا أن زي ثلاثة منهن متشابه ويغطي الكتف اليسرى في حين يترك الكتف اليمنى عارية، وكانت هذه عادة النساء الآسيويات، أما زي الرابعة فهو يغطي الكتفين كعادة المصريات، وعليه يمكن افتراض أن النسوة الأربعة كن: سارة وزوجة لوط وزوجة أليعازر، أما الرابعة ذات الزي المصري فهي هاجر.
التصور الكامل
وعليه يضع البدراوي بناء على هذه المقدمات تصورا كاملا لتفسير هذا النقش، فيقول إن فرعون مصر لما رأى من قدرة رب إبراهيم ورعايته لسارة زوجته، فإنه أيقن أنه رجل له كرامات، فكان أن أعطى لسارة هدية هي هاجر المصرية، وكذلك أعطى لإبراهيم عطايا كثيرة من الغنم والهدايا.
ويضيف أنه يبدو أن إبراهيم عليه السلام قابل كهنة أون ومنف وناقشهم ودعاهم إلى الإيمان بالله وحده أو لعله أطلعهم على البديهية منأن الإله لابد أن يكون واحدا ولابد لجلاله وعظته أن يكون غيبا لا يرى. وبالطبع كانت هذه المبادئ تتعارض مع ديانة البلاد فاستحال أن تسجل الزيارة على جدران أحد المعابد.
وعن سبب تسجيل الزيارة على جدران مقبرة حاكم الإقليم، يقول البدراوي إنه يمكن افتراض أن صاحب المقبرة أراد أن يسجل حسن معاملته لهذا الرجل المبارك -الذي يحميه إلهه من كل سوء- حتى يكون ذلك شفيعا له في الحياة الآخرة بحيث يوضع في ميزان حسناته.
ويدلل على ذلك بأن الميت يقول يوم حسابه طبقا للعقيدة المصرية القديمة، لتبرئة ساحته أمام قضاة الآخر: “يا رب الحقيقتين هأنذا أجئ إليك أجلب الحقيقة وأطرد الإثم، إني لم أقترف إثما ضد البشر ولم أفعل شيئا تمقعته الآلهة”، ولعل حاكم الإقليم أراد أن يضيف داخل مقبرته ليس قولا فقط، بل تسجيلا بالصورة “وقد أكرمت هذا الرجل المبارك من ربه ولم أسبب له أي أذى”.
ويختتم البدراوي نظريته بقول، إنه لو أطلقنا العنان لخيالنا قليلا يمكننا القول بأن الرجل صاحب المقبرة، كان قد آمن سرا بإبراهيم عليه السلام، وأراد بتسجيل هذه الزيارة في مقبرته أن يكون معه في الآخر ليشفع له.