مات الزعيم النازي الألماني أدولف هتلر في 30 أبريل سنة 1945. مات بعد 10 أيام فقط من احتفاله على بعيد ميلاده السادس والخمسين.
لم يعرف هتلر ما انتظره خلال الأيام العشر الأخيرة في حياته، حيث ظل مختبئا في قبو صغير، هربا من قوات السوفييت التي كانت تقترب منه شيئا فشيئا. علم أن أمر هزيمته وشيكا جدا بعد أن اقتربت المعارك من المكان الذي ظل يحاول من خلاله الدفاع عن برلين، فأطلق أدولف هتلر رصاصة الهزيمة في فمه، ليموت على الفور.
بعد نحو سبعة أشهر ونصف كتب الأديب المصري الراحل الكبير عباس محمود العقاد مقالا في العدد 601 من مجلة (الاثنين والدنيا) يوم 17 ديسمبر سنة 1945، بعنوان “لو كان هتلر حيا.. !”، كانت أشبه بمحاكمة للزعيم النازي الذي تسبب في قيام حرب تضرر بسببها الملايين إما موتا أو تشتتا أو مرضا.
كتب العقاد مقاله حتى يبرر محاكمة هتلر عل جرائمه، وربما لكي يرد على بعض المشككين في المحكمة أو عدالتها، أو الذين أرادوا العفو عن هتلر باعتباره انتقل إلى الحياة الأخرى.
بدأ العقاد مقاله بـ “لو كان هتلر حيا لكان اليوم في قفص الاتهام أمام المحكمة الدولية التي تنعقد في نورمبرج، لتسمعه هذه المدينة مدافعا عن نفسه بعد أن سمعته مهاجما لجميع خلق الله في إبان سلطانه وطغيانه، ولكان وقوفه في قفص الاتهام سابقة ضرورية في تاريخ القوانين الإنسانية خلافا لفتاوى الجامدين من فقهاء النصوص وعباد الحروف”.
وأضاف العقاد في مقاله إنه “ليس صحيحا ما يزعمه هؤلاء الفقهاء من مخالفة هذه المحاكمة للأوليات القانونية التي تمنع المحاكمة على جريمة عامة أو خاصة لم تقرر بقانون سابق، لأن القوانين الدولية القائمة في وقتنا هذا تسمح بمعاقبة الدولة كلها، وتجيز لخصومها وحدهم أن يفرضوا عليها الغرامات والجزاءات المختلفة، فضلا عن إجازة ذلك لمجموعة الأمم العالمية، وفيها الخصوم وغير الخصوم”.
ويرى إن الأعمال الفردية التي يُعاقب عليها النازيون، هي جرائم منصوص عليها في القانون الألماني وفي قوانين الحضارة بأسرها، وأن القانون الدولي أجاز محاكمة الأسير على الجرائم التي اقترفها قبل وقوعه بالأسر، حتى وإن اعتذر.
ويؤكد العقاد أن هتلر لو كان حيا لوجب أن يساق إلى المحاكمة لأنه يستحقها بقضاء العقل وليس بالقانون الوضعي، كما يشير إلى أن المخرفين في العصور الماضية معذورون بالقياس إلى المخرفين في عصر العلم والنور، لأن إيمانهم ببعث زعمائهم أو بعض سلالاتهم وولاياتهم شبيه بما توحيه عصور الظلام، قائلا “كان الله في عون أولئك المخرفين المظلومين”.
وختم العقاد مقاله بفقرة قال فيها “لو كان هتلر حيا لكان في طريقه إلى الزوال في قفص الاتهام، أو لكان ميتا بقيد الحياة في سجن العالم الواسع المجهول، ولكنه على سعته أضيق عليه من سم الخياط”.
يذكر أن محكمة نورمبيرج التي ذكرها العقاد في مقاله، هي واحدة من أشهر المحاكم في التاريخ الحديث، حيث شهدت محاكمات مجرمي الحرب المنتمين للقيادة النازية الألمانية بعد سقوط الرايخ الثالث، وانعقد المحكمة في قصر نورمبيرج بعد الدمار الشامل الذي لحق بكل دور المحاكم الألمانية جراء قصف الحلفاء الكثيف إبان الحرب العالمية الثانية.