س: كم يبلغ المرتب الذي تتقاضاه؟، يجيب الموظف الكبير: 120 جنيه. ولكن كيف ينفقه؟
الموظف يمسك بورقة وقلم ويكتب ضاحكا “15 جنيها إيجار شقة متواضعة، و20 جنيه طباخ وخادم وسائق، و15 جنيها نفقات سيارة، و50 جنيه نفقات طعام لي ولزوجتي وأبنائي الثلاثة، و25 جنيه للكسوة والظروف المفاجئة، و5 جنيهات مصروف جيب، المجموع 125 جنيها”.
وعندما سأل كيف يسد هذا العجز، قال “البركة في السلف”.
نعم، الموظف الكبير في أوائل الخمسينيات كان يشكو أيضا من قلة مرتبه البالغ 120 جنيها.
الصحف والمجلات وقتها كانت مهتمة بشكل كبير بحياة المواطنين العاديين. مجلة “الاثنين والدنيا” أفردت تحقيقا في عددها الصادر في 9 يونيو 1952، عن حياة الموظف الكبير، وأعطت له عنوان “الموظف الكبير.. غلبان كبير”، وفيه قال كاتبه “الموظف المحسود على منصبه والذي ينعم بالجاه والنفوذ والسلطان وتحت أمرته جيش من الموظفين يصدعون بأمره ويمتثلون لإشارته هو في الواقع أكثر بؤسا من أي موظف صغير”.
ويضيف الكاتب “وقع الاختيار على مصلحة البريد نظرا إلى تعدد شكاوى الجمهور منها ومديرها هو الأستاذ محمد خيرت بك وعندما دخلت سألته: يقولون إن الموظف الكبير بصمجي كبير فما قولك؟، فابتسم ورد إنني أدعوك لملازمة البصمجي الكبير في ساعات العمل لترى نفسك أنه يؤدي أعمالا شاقة، وأن الوظيفة تستهلك أعصابك وتعتصر صحته وتنهك قواه فعلا فلا يكاد يبلغ سن المعاش حتى يصبح هيكلا محطما”.
المدهش أن مدير مصلحة البريد هذا شكا من مرتبه القليل وقال إنه باع (18 فدانا) ورثها عن أبيه ليواجه هذا الغلاء الذي أسماه بـ”الطاحن”.
وينتقل الكاتب إلى وصف ميزانية الموظف الصغير وكيف كانت وقتها مسار تندر الجميع للتدليل على قصورها في مواجهة الغلاء الكبير، حيث يؤكد أن الجميع يعلمون بكل ما يتعلق بالموظف الصغير من شؤون وشجون وكذلك يقفون على متاعبه وآلامه مبدين عطفهم عليه فمنحوه لقب “فقير الحرب”، حيث خرج الموظف الصغير من حرب المعيشة خاسرا مهزوما بمرتبه الصغير للغاية.