لم يتوقف أبدا الجدل التاريخي حول حقيقة وجود رأس الحسين بن علي رضي الله عنهما في مشهده الشهير بالقاهرة، وهو الجدل الذي يتجدد كلما حلت ذكرى استشهاده أو ذكرى ميلاده، حيث تعد الأخيرة من أهم المناسبات الدينية الشعبية التي يحتفل بها المصريون منذ مئات السنين وحتى الآن.
وفي هذا الموضوع، سنحاول الابتعاد عن الآراء التاريخية والأدلة والبراهين حول مكان دفن رأس الحسين، ولكن سنعرض لشيء مختلف، سنتحدث عن ثلاث تجارب، لأناس قالوا إنهم دخلوا بالفعل إلى ضريح الحسين بالقاهرة في مناسبات وأزمنة مختلفة، وشاهدوا الرأس الشريف بأم أعينهم، وخرجوا ليؤكدوا إلى جموع المصريين أن القاهرة تشرفت باحتضان رأس حفيد رسول الله ﷺ.
أراد أن يتحقق بنفسه
الواقعة الأولى، تذكرها الدكتورة سعاد ماهر في كتابها “مساجد مصر وأولياؤها الصالحون”، نقلا عن عثمان مدوخ في مؤلفه الشهير “العدل الشاهد في تحقيق المشاهد”.
حيث يقول مدوخ، إن الأمير عبدالرحمن كتخدا، الذي اشتهر باهتمامه بصيانة وإقامة المباني في مصر ومنها سبيله الشهير بشارع المعز، أراد في عام 1175هـ توسعة المسجد الحسيني وإصلاحه، فقيل له أن المشهد الملاصق للمسجد لم يثبت أن الحسين دفن فيه، فأراد أن يتحقق من ذلك بنفسه.
فدعا عبدالرحمن كتخدا عموم المصريين وعلمائهم، وكشف المشهد، وطلب من الشيخ أحمد بن الحسن الجوهري شيخ الفقه الشافعي في مصر في ذلك الحين، والشيخ المحدث أحمد بن عبدالفتاح الملوي، بالنزول إلى المشهد والتحقق من وجود الرأس الشريف.
وبالفعل نزل كل من الجوهري والملوي إلى المدفن وخرجا ليؤكدا لجموع المصريين أنهما شاهدا كرسي من الخشب الساج عليه طشت من ذهب فوقه ستارة من الحرير الأخضر، تحتها كيس من الحرير الأخضر الرقيق، داخله الرأس الشريف.
وبناء على هذه الشهادة، أعلن عبدالرحمن كتخدا ثبوت وجود رأس الحسين بمشهده بالقاهرة، وبدأ في إعادة بناء المسجد بالكامل وعمل به صهريجا وحنفية وأضاف إليه إيوانين كما رتب لخدام المسجد والقائمين عليه مرتبات ثابتة ظل معمولا بها سنوات طوال.
تبرع من رجل أعمال
الواقعة الثانية، كانت في ثمانينات القرن الماضي، وكشفت عنها صحيفة الأهرام، حيث ثارت جدل بين الكاتب الكبير الراحل أنيس منصور والكاتب الصحفي عبدالرحمن فهمي حول الحقيقة التاريخية لوجود رأس الحسين في القاهرة، وكتب كل منهما وجهة نظره في هذا الأمر.
وفي خضم هذا السجال الصحفي التاريخي، قام الشيخ حلمي عرفة، إمام المشهد الحسيني، بالاتصال على فهمي وأخبره أن هناك رجلا مهما يريد مقابلته بشأن قضية رأس الحسين، فتوجه فهمي على الفور إلى المشهد.
ويقول عبدالرحمن فهمي إنه قابل داخل المسجد الشيخ منصور الرفاعي الوكيل الأول لوزارة الأوقاف، والذي كان مسؤولا عن المساجد منذ عام 1977 وحتى أوائل التسعينيات، حيث أخبره الأخير أنه دخل إلى المشهد وطالع رأس العسين بأم عينيه.
وقال الشيخ الرفاعي حينها، إن واقعة دخوله للضريح بدأت عندما تقدم أحد رجال الأعمال بطلب إلى وزير الأوقاف لتجديد ضريح الإمام الحسين على نفقته الخاصة، فوافق الوزير وكلف لجنة للنزول إلى القبر ومعاينته من الداخل للتأكد من مدى حاجته إلى الترميم، وبالفعل تشكلت اللجنة ونزل الشيخ الرفاعي ومعه رجل الأعمال وكان يدعى “عمر الفاروق” إلى القبر.
وعما شاهداه يقول الرفاعي: “نزلنا إلى مكان الرأس فوجدناه في حجرة صغيرة ملفوفا في قماش أخضر والحجرة تشع برائحة المسك والزعفران معا.. وأحضر عمر الفاروق -رجل الأعمال- قماشة خضراء جديدة ولف بها الرأس مرة أخرى.. ووضع عليه كمية كبيرة من مختلف العطور، ثم أعاد الرأس إلى مكانه.. وخرجنا جميعا وقمنا بالإعلان على الملأ أن الرأس موجود في الضريح كما تؤكد روايات التاريخ”.
“والله لقد رأيتها كثيرا”
أما آخر هذه الوقائع، والتي للأسف لم نستطع تحديد تاريخها، أكدها الإمام السابق لمسجد الحسين، الشيخ الراحل أحمد فرحات.
ففي أحد حواراته الصحفية، سئل الشيخ فرحات عما إذا كانت رأس الإمام الحسين رضي الله عنه مدفونة في مشهده بالقاهرة؟ فما كان من الرجل إلا أن أكد بشكل قاطع أن الرأس الشريف موجود بالفعل في القاهرة، وأن من يروجون خلاف ذلك هم أصحاب دعوات خبيثة مغرضة وتحيز وتعصب لا أساس لهما من الصحة.
وفي معرض تأكيده، قال الشيخ إنه ثبت لديه بشكل شخصي أن الرأس مدفونة في القاهرة وقال بالنص: “والله لقد رأيتها كثيرا.. لا شك في وجودها هنا.. هذه حقائق تثبت منها بنفسي”.
ولم يوضح الشيخ فرحات تاريخ معين لدخوله قبر الحسين ومشاهدته للرأس الشريف، ولا من هم الذين شاركوه هذا الموقف.
يذكر أن الشيخ فرحات توفي عن عمر يناهز الـ90 عاما، بعدما ظل إماما للمشهد الحسيني قرابة 40 عاما، حيث تم تعيينه في مطلع سبعينيات القرن الماضي في إمامة المسجد بوساطة من شيخ الأزهر حينها عبدالحليم محمود، حيث كان يمنع وقتها تعيين أئمة مكفوفين للمساجد الكبرى، إلا أن الشيخ محمود أصر على تعيينه قائلا إن “الحسين طلبه” وتدخل لدى أصحاب القرار حتى وافقوا بالفعل على التعيين.