هناك بعض القضايا الفكرية التي تثير آراء مختلفة في الديانة المسيحية حول حياة المسيح عليه السلام، ومن أكثر هذه القضايا التي ظهرت حولها عشرات الآراء، تلك المتعلقة بأسرة المسيح نفسها.
فهناك من يعتقد أن المسيح كان له أشقاء من أمه مريم العذراء ولدتهم من يوسف النجار، وهناك من يقول بأن المسيح عليه السلام تزوج من مريم المجدلية، بل وأنجب منها ابنة لها سلالة لازالت تعيش حتى الآن، إلا أن الغالبية العظمى من المسيحيين حول العالم لهم رأي مغاير حول هذه القضايا.
ونستعرض في السطور التالية مختلف الآراء التي قيلت حول هذه النقاط الثلاثة، أشقاء المسيح، وزوجته، وأبناءه:
الأشقاء
ذكرت في الإنجيل عددا من الفقرات التي أوحت إلى أن المسيح عيسى عليه السلام له أشقاء من والدته السيدة مريم العذراء.
فقد جاء في إنجيل متى عن يوسف النجار خطيب السيدة مريم “ولم يعرفها حتى ولدت ابنها البكر ودعا اسمه يسوع” والمقصود أن يوسف النجار لم يعاشر السيدة مريم معاشرة الأزواج ولم يقترب منها إلا بعدما وضعت السيد المسيح الذي يوصف بانه “ابنها البكر” ما يوحي بأنه كان لها أبناء غيره.
وورد في إنجيل مرقس حديث اليهود عن المسيح قائلين “أليس هذا هو النجار ابن مريم وأخو يعقوب ويوسي ويهوذا وسمعان”، وهو ذكر صريح لأربعة أسماء يشير الإنجيل إلى أنهم أشقاء المسيح من أمه مريم، كما تشير إحدى الفقرات إلى وجود أكثر من أخت للسيد المسيح، حيث ورد في إنجيل مرقس “أوليست أخواته ههنا عندنا” إلا أن أسماء هؤلاء الشقيقات لم ترد في الإنجيل.
وهناك رأيين مختلفين حول تفسير هذه الفقرات المتعلقة بأشقاء وشقيقات المسيح، الرأي الأول يرى أن كلمة “أخ” في اللغة العبرية واللغة الآرامية لا تنحصر في أشقاء الدم فقط، بل تشمع جميع أبناء العائلة الواحدة، وعلى هذا الأساس يرجح أصحاب هذا الرأي أن الأربعة الواردة أسماءهم في الإنجيل “يعقوب ويوسف وسمعان ويهوذا” ليسوا بالضرورة أشقاء المسيح من أمه مريم بل هم أقاربه، فيما يرى بعض أنصار هذا الرأي أن هؤلاء الأربعة هم بالتحديد أبناء يوسف النجار ولكن من زواج سابق لزواجه من السيدة مريم العذراء.
ويتمسك أصحاب هذا الرأي بأن السيدة مريم ظلت بتول “عذراء” طوال عمرها وأنها لم تلد غير المسيح.
أما الرأي الثاني، فيرون أن ما ورد في إنجيل مرقس دليل واضح وصريح على أنه كان للمسيح أشقاء من السيدة مريم، ويشيرون إلى أن هؤلاء الإخوة شغلوا مناصب شرفية وقيادية في الكنيسة المسيحية في وقت مبكر، ولكن دون أن يذكروا أي شيء محدد عن نسل هؤلاء الأشقاء ولا ما كان مصيرهم؟
الزوجة
ليس هنا قول قاطع في أي من الكتب السماوية يمكن أن يحسم الجدل حول زواج المسيح من عدمه، وهو ما كان سببا في ظهور عشرات النظريات التي تطرح وجهات نظر مختلفة حول هذه النقطة.
ويكمن لب الخلاف حول ما إذا كان للمسيح زوجة من عدمه، هو ارتباط هذه النقطة بشكل مباشر بفكرة الإيمان بألوهية المسيح.
فمن يرفضون فكرة زواج المسيح -وهم الغالبية العظمى من المسيحيين حول العالم- يستندون في ذلك إلى أن زواجه يحط من قدره ومن ألوهيته، فليس من المقبول لـ”ابن الرب” -بحسب معتقدهم- أن يكون له زوجة وأبناء، مشيرين إلى أن الكتاب المقدس يخلو من أي إشارة إلى ذلك، ولو صح أن المسيح كانت له زوجة لكان ورد ذلك بشكل واضح وبين في الإنجيل لأهمية هذه النقطة.
أما من يعتقدون بأن المسيح تزوج -وهم في الغالب لا يؤمنون بألوهية المسيح- فيستندون إلى بعض الأناجيل غير المعتمدة، والتي عثر عليها عام 1945 في صعيد مصر، ففي أحد هذه الأناجيل وردت فقرة تقول، “ورفيقة المخلص هي مريم المجدلية أحبها أكثر من كل التلاميذ واعتاد أن يقبلها من فمها”، وكلمة رفيقة باللغة الآرامية تعني حرفيا الزوجة.
ويشير أصحاب هذا الرأي إلى أن المسيح تزوج مريم المجدلية، وينفون عنها أن تكون “زانية” حيث أن الكثيرين يعتقدون أنها صاحبة القصة الشهيرة “من كان منكم بلا خطيئة فليرمها بحجر”، مؤكدين أن وصم مريم المجدلية بالعار كان عن عمد في مرحلة متأخرة بعد ظهور المسيحية بهدف تحطيم سمعتها وقطع الطريق على أي حديث عن دورها في قيام المسيحية الأولى أو في علاقتها بالسيد المسيح.
أما الإسلام، فلا يوجد في القرآن أو السنة ما ينفي أو يؤكد فكرة زواج المسيح، إلا أن هناك آية بالقرآن الكريم تشير إلى أن سنة الأنبياء والمرسلين هي الزواج ففي سورة الرعد “ولقد أرسلنا رسلا من قبلكم وجعلنا لهم أزواجا وذرية”، ولم يتم استثناء أحد من الأنبياء من هذا الأمر بشكل صريح سوى يحيى عليه السلام الذي قال عنه القرآن “سيدا وحصورا ونبيا من الصالحين”، والمقصود بحصور أنه لا قرب النساء لا عن علة ولكن ترفعا وتقربا إلى الله، وهو ما لم يذكر بشأن المسيح عليه السلام.
الأبناء
وبطبيعة الحال، فإن من يرفضون فكرة زواج المسيح يرفضون بالتبيعة فكرة أن يكون له أبناء، أما من يقولون بأن المسيح تزوج من مريم المجدلية فإن الأمر مختلف تماما لديهم.
حيث يرى من يؤمنون بزواج المسيح، أن زوجته المفترضة مريم المجدلية سافرت في وقت لاحق إلى بلاد الغال -جنوب فرنسا حاليا- وأقامت هناك ووضعت طفلتها من المسيح، قبل أن تموت المجدلية في فرنسا وتدفن هناك.
ويتمسك أصحاب هذا الرأي بأنه بناء على ذلك، فإن للمسيح ذرية ونسل يعيش بيننا حتى الآن.
ومن أشهر من نادى بهذا الرأي، كتاب “الكأس المقدسة، والدم المقدس” الصادر عام 1982، وكذلك رواية “شفرة دافنشي” الشهيرة للمؤلف الأمريكي دان براون، وكذلك كتاب “مريم المجدلية” للين بينكت، كما تقول المؤلفة سوزان هيسكنز في كتاب لها عن المجدلية، أنه في قرون لاحقة زادت أعداد الحجاج الذاهبين لزيارة ضريح مريم المجدلية في قرية “فيزالي” بجنوب فرنسا.
إلا أن ما يثير الغموض حول هذا الرأي، هو غياب أي معلومة مؤكدة عن نسل المسيح وسلالته، ولو كان له سلالة فأين تعيش الآن أو ما كان هو مصيرها في الماضي؟