سيظل الهرم الأكبر لغزا يحير العلماء لسنوات طوال، بحثا وراء طريقة بناءه والأساليب والأدوات الإعجازية التي لجأ إليها المصري القديم لبناء هذا السرح الذي لا يماثله في قيمته ولا دقته أي مبنى آخر في العالم حتى الآن.
وكان من بين التجارب اللافتة التي أجريت للوقوف على طريقة بناء الهرم، تلك التجربة التي قامت بها بعثة علمية يابانية ضمت 24 شخصا ما بين معماريين ومهندسين وفنيين وعلماء آثار، برئاسة عالم الآثار “ساجوكي يوشيمورا”، حاولوا خلالها بناء نموذج مصغر للهرم بارتفاع 20 مترا بجوار أهرامات الجيزة باستخدام الأساليب القديمة والتقليدية في البناء.
التجربة شهدتها مصر عام 1978، حيث أجرت البعثة اليابانية العديد من الدراسات التحضيرية قبل توجهها إلى مصر لعمل نموذج مصغر للهرم، بهدف إثبات أن المصريين القدماء بنوا الأهرامات بطريقة البناء البدائية، المتمثلة في قطع الأحجار بالأزاميل ورصها بواسطة رفع الحبال والوسائل اليدوية الأخرى.
وبتمويل مباشر من التلفزيون الياباني، بدأ الفريق البحثي عمله، حيث اتفق الطرفين على أن يتم تحويل التجربة برمتها إلى فيلم وثائقي لصالح التلفزيون الياباني، وذلك بالاتفاق مع الحكومة المصرية، شريطة أن يتم إزالة الهرم الصغير “التجربة” بعد الانتهاء منه وتنظيف المنطقة تماما وإعادتها إلى ما كانت عليه.
كان التخطيط الأولي للتجربة ينص على أن يتم بناء هرم بطريقة المصاطب بطول 20 مترا، على أن يكون وزن كل حجر 4 طن، ويتم قطع الأحجار من محاجر طرة -نفس المنطقة التي جاءت منها الأحجار التي تسخدمت في الكساء الخارجي للهرم الأكبر والتي مازالت آثارها موجودة حتى الآن- وأن يتم إشراك 100 عامل مصري لتنفيذ التجربة.
صدمات غير متوقعة
وبرغم كل التقدم التكنولوجي المتاح وقت تنفيذ التجربة اليابانية عام 1978 قياسا على ما كان متاحا قبل آلاف السنين عند بناء الهرم الأكبر، ورغم العقول الفذة التي شاركت في دراسة وتنفيذ التجربة من علماء في عدة مجالات، إلا أن الفريق تعرض لعدة صدمات مربكة أثناء إجراء التجربة.
ففي البداية، وجد الفريق أن مسألة تقطيع أحجار يزن كل منها 4 أطنان باستخدام الأدوات البدائية مثل الأزاميل وغيرها أمر بالغ الصعوبة، ويحتاج تكلفة ضخمة ووقت طويل للغاية، فما كان أمامهم سوى تخفيض ارتفاع الهرم المراد تنفيذه من 20 إلى 10 أمتار فقط، وتخفيض وزن الحجر من 4 إلى 1 طن فقط، واستخدام المناشير الكهربائية في عملية تقطيع الأحجار، وهو ما كان أول استخدام من قبلهم للوسائل التكنولوجية الحديثة بالمخالفة للهدف الرئيسي للتجربة وهو إثبات قدرة الأدوات البدائية على بناء هرم بحجم الهرم الأكبر.
ثم اكتشف الفريق فشل كل الوسائل البداية في نقل الأحجار من طرة إلى هضبة الجيزة عبر النيل، مثل فكرة الطفو فوق الأطواف الخشبية أو حتى القوارب، فاستعانوا للمرة الثانية بالتكنولوجيا عبر استخدام بواخر تستطيح تحمل وزن الأحجار والسير بها في مياه النيل.
وعند وصول الأحجار للشواطئ القريبة من الهرم، لم يستطع قرابة 50 عاملا تحريك حجر واحد سوى عدة سنتيمترات، ما يعني أن التجربة كان يمكن لها أن تستغرق عدة سنوات فقط لكي يتمكنوا من نقل الأحجار من نهر النيل إلى مكان البناء، فاضطروا إلى مد خط سكة حديد صغير تمر عليه عربات حديدية صغيرة تحمل كل منها حجر واحد.
وبعد هذه الصعاب نتيجة وزن الأحجار الضخم، كانوا من الطبيعي أن يتوقعوا صعوبة الخطوة التالية المتمثلة في رفع الأحجار ووضعها في المكان المخصص لها داخل أرضية الهرم، وهو ما دفعهم للاستعانة بأوناش ورافعات كبيرة من أجل رص الأحجار، بل إن الأمر وصل بهم إلى الاستعانة بطائرة هليكوبتر لضبط الأحجار في أماكنها بدقة!
نجاح بطعم الفشل
ورغم تمكن الفريق في النهاية من بناء هرم طوله 10 أمتار في الموضع المحدد له بجوار أهرامات الجيزة، إلا أن التجربة أثبتت فشلها بكل المقاييس، بعدما اضطر الفريق لاستخدام أكثر من وسيلة تكنولوجية لإتمام عملية البناء.
وهو ما يعني بالتبعية، عدم صحة أغلب النظريات التقليدية التي قيلت في بناء الأهرامات والتي اعتمدت في عملية البناء على الأدوات التقليدية البدائية القديمة، بعدما أثبتت التجربة العملية استحالة ذلك.
فإذا كانت تلك الوسائل التكنولوجية فشلت في بناء هرم طوله 10 أمتار ولا يحتوي على أي ممرات ولا على أحجار جرانيتية تزن عشرات الأطنان، فما بالك بهرم عملاق يحتوي على تلك الممرات المعجزة وتلك الأحجار الجرانيتية التي يزن بعضها قرابة 70 طنا، وهو ما يطرح العديد من الأسئلة حول الطريقة الأصلية والحقيقية التي لجأ إليها المصريون القدماء لبناء الهرم الأكبر ويزيد الأمر غموضا وسحرا.
المصدر: iramofpillars.com