يعرف تاريخ الأدب العربي كثيراً من شعراء العرب أيام الجاهلية، لكنه ما وصلنا من شعر الأدباء اليهود الذين كانوا يسكنون شبه الجزيرة العربية قليل للغاية.
واشتهر يهود العرب في الجاهلية بعدد من المهن، أهمها الزراعة وتربية الماشية والدجاج، وحفر الآبار في الأراضي العالية، وتخصصت نساؤهن في نسج الأقمشة، كما ذكر البلاذري في “فتوح البلدان”.
اليهود كانوا أيضاً يقرضون الشعر، لا سيما يهود يثرب الذين ذكر البلاذري أن العرب تعلموا الكتابة عنهم.
إسرائيل ويلفنسون، في كتابه “تاريخ اليهود في بلاد العرب في الجاهلية وصدر الإسلام” يؤكد ما قاله صاحب “فتوح البلدان” ويزيد بالقول في كتابه المذكور أن اليهود اندفعوا في “قرض الشعر باللغة العربية اندفاعاً قوياً، فجعلوا ينظمون الأبيات البديعة والقصائد المتينة في الكرم والوفاء والشجاعة، وفي وصف البلدان والحيوان وفي وصف المرأة والتشبيب بها”.
ويعترف ويلفنسون أن ما وصلنا من شعر يهود الجاهلية قليل جداً، لا يعدو بضع قصائد وأبيات مبعثرة في أمهات كتب النقد العربي.
عميد الأدب العربي، طه حسين، يؤكد ذلك أيضاً في مقال له بالعدد الأول من مجلة الجامعة المصرية، حيث يقول إن اليهود كانوا بعدائهم للأنصار بعد الإسلام، ومحاربتهم إياهم شؤماً على الأدب العربي، وسبباً في ضياع الكثير منه”.
ويصل طه حسين إلى ثلاث نتائج، أولها أن “لليهود في الأدب العربي أثراً كبيراً جنى على ظهوره ما كان بين العرب وبين اليهود” أي ساهم في اندثاره هذه الحالة العدائية بين الجانبين. أما النتيجة الثانية، أو بمعنى أدق السبب الثاني في ضياع المنجز الأدبي اليهودي أيام الجاهلية هو أن الشعراء اليهود كانوا كثيري هجاء العرب والمسلمين.
في حين يكون السبب الثالث سبباً أدبياً، وهو أن الشعراء اليهود العرب انتحلوا بعض الشعر للسابقين عليهم زمناً، حتى يؤكدوا عراقتهم وأسبقيتهم الزمنية على الشعراء العرب.
ويلفنسون، من جانبه، يؤكد أن شعراء اليهود الجاهليين كانوا ينظمون شعراً دينياً صرفاً، كانوا فيه يمجدون في النبي موسى (عليه السلام) وآله، وأنبياء بني إسرائيل، وكانوا يذمون أصناع الجاهلية، ويحطون من قدرها وعبادتها.
ويؤكد إسرائيل ولفنسون (1899-1980)، في كتابه، أن “الأبيات القليلة التي وصلت إلينا من شعر اليهود لا تكفي لتخليد أسماء شعرائها مما يجعلنا نجزم بأنه قد كان هناك شعراء مجيدون، ولكن ضاع شعرهم ولم يبق لهم منه إلا أسماؤهم، كأنها صدى ما كان لهم من شهرة”.
ويضيف أن ضعف إقبال اليهود على اعتناق الإسلام هو ما ساهم في حفظ القليل من الذي وصل إلينا من شعرهم، حيث أن ما وصل إلينا هو أسماء لشعراء يهود دخلوا في الإسلام، ومن بينهم السموءل بن عادياء وكعب بن الأشرف والذي نسب إليه ابن هشام في سيرته قصيدة في رثاء قتلى غزوة بدر، حيث قال:
طحنت رحى بدر لمهلك أهله / ولمثل بدر تستهل الأدمع
قتلت سراة الناس حول حياضهم / لا تبعدوا إن الملوك تصرع
ثم إن هناك اسماً آخر يلفت عنايتنا وهو سارة القريظية، وهي امرأة تنتمي لقبيلة بني قريظة، ويقول عمر رضا كحالة في كتابه “أعلام النساء” الصادر في 1959 أن سارة تلك نظمت أبيات حين أتى أحد ملوك اليمن واسمه أبو جبيلة الغساني فقصد المدينة وأوقع باليهود وقتلهم، فقالت:
بأهلي رِمّة لم تغن شيئاً / بذي حُرُض تُعَفّيها الرياح
كهول من قريظة أتلفتهم / سيوف الخزرجية والرماح
ولو أذنوا بحربهم لحالت / هنالك دونهم حرب رداح