يعلم الكثيرون منا قصة نبي الله يونس عليه السلام مع الحوت الذي التقمه وظل في بطنه عدة أيام قبل أن ينجيه الله، إلا أن ما قد لا يعلمه البعض، هو أن هناك آراء عدة تزعم أن ذلك الحوت ما زال علي قيد الحياة حتى الآن!
واستدل أصحاب هذه النظرية بتفسير خاص لقوله تعالى “فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ” حيث فسروا تلك الآية بأن المولى عز وجل كان سيترك سيدنا يونس فى بطن الحوت حتى يوم القيامة ولكن سيدنا يونس أخذ يسبح الله، فأخرجه الله بقدرته، إلا أن الحوت ظل يسبح في البحار حتى يومنا هذا وسيظل هكذا حتى يوم البعث، بحسب تفسيرهم.
ولا يلقى هذا التفسير قبول من أغلب أهل التفسير، فكلمة “لولا” حرف امتناع للوجود، أي امتناع تحقيق جوابها، لوجود شرطها، بمعنى إذا وجد الشرط امتنع تحقق الجواب، أي لما كان يونس عليه السلام من المسبحين، امتنع أن يلبث في بطن الحوت إلى يوم يبعثون.
** اقرأ أيضا: نظرية استندت لـ8 أدلة: مومياء سيدنا يوسف معروضة بالمتحف المصري!
وهذه الآية مثل قوله تعالى في سورة الأنفال (لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) فامتنع وقوع العذاب لما سبق في الكتاب، وكذلك قوله تعالى في سورة الإسراء (وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا) فامتنع ركونه صلى الله عليه وسلم للمشركين لحصول تثبيت الله له، وذلك حسب ما جاء في كتاب “الإتقان في علوم القرآن” للسيوطي.
ولكن يقول بعض العلماء في نظرية مختلفة أن المكوث في بطن الحوت إلى يوم يبعثون لا يلزم أن يزال الحوت حيا إلى يوم القيامة، فيمكن أن يموت الحوت ويموت الإنسان في بطنه ثم يمكث فيها إلى يوم البعث، كما يمكث الميت في قبره.
القصة كاملة
النبي يونس -عليه السلام- هو أحد الأنبياء المذكورين في القرآن الكريم، ويوجد في المصحف الشريف سورة على اسمه، ويعد هو وعيسى ابن مريم النبيان الوحيدان اللذان ينسبان إلى اسم الأم، حيث عرف بـ”يونس بن متى”، ويطلق على يونس لقب صاحب الحوت.
وتحكي القصة كما جاءت في كتاب البداية والنهاية لابن كثير، “أنه حين خرج يونس من نينوى غاضبا من قومه، ركب البحر في محاولة للابتعاد عنهم، فلجت السفينة بهم واضطربت وثقلت بما فيها وكادوا يغرقون وتشاوروا واتفقوا على أن يقترعوا فيما بينهم على أن يلقوا بعض الركاب، فوقعت علي سيدنا يونس القرعة ثلاث مرات متتالية، فنزع ملابسه ثم رمى نفسه في البحر، فأرسل الله تعالى إليه حوتا عظيما من البحر الأخضر فالتقمه، وأمره الله تعالى ألا يأكل له لحما، ولا يهشم له عظما، فأخذه فطاف به البحار كلها، ولما استقر في جوف الحوت حسب أنه قد مات، فحرك جوارحه فتحركت فإذا هو حي، فخر لله ساجدًا وقال: يا رب اتخذت لك هذا مسجدًا لم يعبدك أحد في مثله.
** اقرأ أيضا: 8 أدلة ترجح أن رمسيس الثاني هو “فرعون موسى”
واختلف العلماء فيما بينهم حول مقدار الزمن الذي لبثه يونس في بطن الحوت، فقال مجالد عن الشعبي: التقمه ضحى ولفظه عشية، وقال قتادة مكث فيه ثلاثا -أي ثلاثة أيام- وقال جعفر الصادق: سبعة أيام، وقال سعيد بن أبي الحسن وأبو مالك: مكث في جوفه أربعين يومًا، والله أعلم كم مقدار ما لبث فيه”.
وعن مقولة (نادى في الظلمات) فقد قال ابن مسعود، وابن عباس، وعمرو بن ميمون، وسعيد بن جبير، ومحمد بن كعب، والحسن، وقتادة، والضحاك: أنها عدة ظلمات وهي ظلمة الحوت، وظلمة البحر، وظلمة الليل، وقال سالم بن أبي الجعد: ابتلع الحوت حوت آخر، فصارت ظلمة الحوتين مع ظلمة البحر، وذكر القرأن أن دعاء يونس لربه من داخل الحوت كان (لا إله إلّا أنت، سُبحانك إنّي كنت من الظّالمين)، فاستجاب له الله تعالى ونجاه من الغم، وأمر الحوت أن يقذف يونس إلى اليابسة، وأنبتت له شجرة يقطين تحميه من حر الشمس ويأكل من ثمارها حتى عادت له صحته، وعاد إلى قومه مجددًا.
إعجاز قرآني
وللدكتور زغلول النجار قول في مسألة حوت يونس، وبالتحديد حول مقولة (فَالْتَقَمَهُ الحُوتُ)، حيث قال إنه بدأ يدرس طبيعة الحيتان فوجد أن هناك مجموعة من الحيتان تسمى الحيتان الزرقاء، وهي أضخم حيوان خلقه الله، وطوله يمكن أن يصل إلى أكثر من 35 مترا، ويصل وزنه إلى أكثر من 180 طن، ولكن هذا الحوت رغم ضخامته الا أنه لا يأكل سوى الكائنات الميكروسكوبية الضئيلة التي تسمي البلانكتون، فهو لا يملك أسنان وله ألواح رأسية يصطاد بها هذه الكائنات الطافية، فهو يأخذ بفمه 50 مترا مكعب من الماء ويصطاد ما فيها من كانت طافية ويخرج الماء من جانبي الفم، لذلك فهذا الحوت إذا دخل فمه أي شيء كبير لا يبتلعه وهنا بقي سيدنا يونس عليه السلام في فمه كاللقمة ولهذا قال الله ربنا الحق “فَالْتَقَمَهُ الحُوتُ”.
** اقرأ أيضا: هل رسم الفراعنة نبي الله إبراهيم عند زيارته إلى مصر؟
ويقول علماء الحيوان، أن لسان الحوت يستطيع أن يقف عليه 50 رجلا، كما أنه يتنفس الأوكسجين عندما يرتفع فوق سطح الماء مرة كل خمسة عشرة دقيقة، أي أن سيدنا يونس كان جالسا بما يشبه الغرفة الواسعة المكيفة.
ويضيف “النجار” أن الله عز وجل اختار شجرة اليقطين على وجه الخصوص ليمكث النبي أسفلها، فتلك الشجرة تمتلك أكبر حجم لورقة النبات، فالله يريد أن يستر عبده ونبيه، كما أن اليقطين كشجرة كاملة مليئة بالمضادات الحيوية ولهذا لا تقربه حشرة.