“الإوزة التي تبيض ذهباً” هي إحدى الحكايات التاريخية الشعبية التي نُقلت إلينا عبر الزمان. وهي حكاية أطفال، الذكر الأول لها يعود إلى ما سُمى بـ”خرافات إيسوب”، وإيسوب هو قاص يوناني – يُقال إنه كان عبداً – عاش في اليونان القديمة بين عامي 620 و560 قبل الميلاد، واشتهرت حكاياته حول العالم بأنها أحد أهم روافد التربية الأخلاقية والقيمية للأطفال.
في جعبة “خرافات إيسوب” الكثير من الحكايات الشهيرة التي تروى إلى الآن للأطفال في كافة بقاع الأرض على اختلاف تنويعاتها البيئية والاجتماعية، ومنها: الفتى الذي ادعى وجود ذئب، والثعلب والأسد المريض، وغيرها.
واستولت الدروس الأخلاقية السهلة المسرودة في حكايات إيسوب على مخيلة أجيال من الفنانين الذين استعملوا حكاياته كوسيلة لتعليم الدروس الأخلاقية للأطفال من كافة الثقافات والجنسيات.
لكن حكاية “الإوزة التي تبيض ذهباً” كانت أشهر تلك الحكايات، على الرغم من أن بعض تنويعات القصة كانت تستبدل “الإوزة” بـ” الدجاجة”. وتحكي الحكاية أن رجلاً كان لديه “إوزة” تبيض ذهبًا، بيضة واحدة كل صباح، وفي كل صباح كان يخرج هذا الرجل من بيته ومعه البيضة الذهبية متجهاً بها إلى السوق ليبيعها.
وذات يوم، فكر الرجل في أن هذا المشوار اليومي بات مجهدًا أو مملاً، فأراد أن يحصل في ضربة واحدة على كل البيض الذهبي الموجود في جوف الإوزة. وهذا ما حدث بالفعل، ذبحها، فلم يجد ذهباً.
نعم، الحكاية منسوبة لإيسوب، ولكن إيسوب نفسه تتضارب الأقوال حوله، فمن الباحثين من ينكر وجوده أصلا، ويعتقد أن اليونانيين كانوا ولوعين بنسبة الأعمال إلى مؤلف ما. فإن لم يجدوه اخترعوا لها مؤلفا! وهذا ما حدث في مجموعة من الحكايات الشعبية التي رددها الناس في اليونان، كما هي العادة عند كل الشعوب، وفي مختلف العصور، ثم نسبوها إلى شخصية خرافية اسمها إيسوب!
والفريق الثاني وعلى رأسه المؤرخ الكبير هيرودوت، فيرى أن إيسوب شخصية حقيقة، عاش في القرن السادس قبل الميلاد، وأنه كان عبداً لدى مالك يدعى “زانثوس” وفي مرحلة لاحقة عند مالك آخر يدعى “يادمون” وقد أعتقه بعد ذلك، وأنه كتب بعض الحكايات الخرافية المنسوبة إليه، ولم يصل إلينا ما يؤكد عددها ومضمونها تأكيداً تاماً.
ولأن الشكوك دارت حول الرجل، وبالتالي حول القصة ومبدعها الرئيسي، فإن الشكوك أيضاً حامت حول طبيعة فكرة العلاقة بين الإوز والذهب.
الأعداد الأولى من مجلة الهلال، كانت تحتوي على بابا خاصا بـ”الأخبار العلمية”، ففي العدد الصادر في 15 يناير سنة 1900 من المجلة خبر أخذ عنوان “استخراج الذهب بواسطة الأوز”، وفي متنه يقول محرره “من خرافات الإفرنج المشهورة أن إوزة باضت بيضة من الذهب، ولكننا الآن نقرر حقيقة روتها إحدى جرائد أمريكا نقلاً عن قنصل أمريكا في الصين، قال إن في مقاطعة (بونج بي تشيه تي تنج) وادي فيه الذهب الخالص على شكل ذرات دقيقة، وكيفية استخراجه أنهم يرسلون في الوادي أسرابا من الإوز ترعى على نباته وترابه، فتعود بعد مدة وملء حواصلها الذهب، فيذبحونها ويستخرجونه منها”.
وإذا صح كلام مجلة الهلال في نسبتها لمصادرها، فإن الحكاية الشعبية القديمة قد تحولت إلى واقع، بل استفاد منها أصحاب الإوز، وبدلاً من أنهم في الحكاية ذبحوها من دون أن يجدوا شيئاً، فهم في الواقع يذبحوها ليجدوا ذهباً.
هذه الطريقة لاستخراج الذهب التي أوردتها الهلال في عددها لم تشتهر بعد ذلك، ولا دليل علمي عليها، لكن في سبتمبر 2018 نشر موقع التلجراف خبراً عن ابتكار علماء يابانيين لطائر يبيض ذهباً بالفعل، ويحتوي على بروتين باهظ الثمن يُستخدم لعلاج الأمراض الخطيرة مثل السرطان وتليف الكبد.
وتضمنت التكنولوجيا الجديدة التي استخدمها العلماء تقنية تحرير “الجينوم” لإنتاج تلك الطيور بيضًا يحتوي على كميات كبيرة من المواد المعدنية والبروتينات التي تشبه في تركيبها الذهب.