الطاعون الدبلي أو الدملي هو أحد أنواع الطاعون المتعددة، ويظهر على المريض علامات الإصابة به، والتي هي عبارة عن حرارة مرتفعة، وتضخم في عقد الليمفية، خاصة في الرقبة وتحت الإبط، وتضخم الطحال، ونسبة الوفاة فيه تتعدى 40%.
ورغم أن شهرة الطاعون الدبلي فاقت الحدود خلال هذه الأيام، بعد اكتشاف حالات في الصين، إلا أنه كان معروفاً منذ قرون، فقد أورده جلال الدين السيوطي في كتابه “مختصر الطب النبوي”، بينما كان ينتشر في مصر على فترات متباعدة، لا سيما في أوقات الشتاء.
مصر أصل الطاعون الدبلي
وكان الأوربيون يعتقدون أن مصر هي مصدر الطاعون كله، والدبلي تحديداً قبل أكثر من قرنين من الزمان. ولكن هذا لم يكن حقيقياً على الأغلب، لأن أغلب التجار الأجانب المقيمون بالإسكندرية كانوا يؤكدون أن الطاعون الدبلي لا يأتي من مطلقاً من الداخل المصري، بل يظهر أولاً على شاطئ الإسكندرية ثم ينتقل إلى رشيد، ويصل القاهرة، ومنها لأغلب المحافظات التي ينتشر فيها هذا المرض.
هذا ما أقره حلمي محروس في كتابه “حالة مصر الاجتماعية في القرن الثامن عشر”، مؤكداً أنه يسبق ظهور الطاعون وصول بعض السفن القادمة من سوريا أو إسطنبول، حيث يكون متفشياً هناك أصلاً، ويرى محروس أن الطاعون الدبلي أصله تركي، ويأتي إلى مصر عبر الملابس والبدل الصوفية التي تباع في الأسواق المصرية ويشتريها المصريون.
وترى ليلى السيد عبدالعزيز في كتابها “الأمراض والأوبئة وآثارها على المجتمع المصري (1798 – 1813) أن الطاعون كان ينتشر في مصر خلال فصل الشتاء، بسبب الرطوبة والاعتدال، ويقضي عليه الصيف لأنه حار وجاف، وأن المرض يزور مصر كل أربع أو خمس سنوات، وتزهق بسببه أرواح عديدة.
وكان الأجانب يفلتون من فتك هذا الوباء الشديد، وذلك بالعزلة، مثلما يقول كتاب “وصف مصر”، الذي أشار إلى أن أكثر نوبات الطاعون فتكاً بالمصريين كانت تلك النوبة التي ضربت مصر في العام 1801، حيث كان يموت نحو 300 أو 400 مصرياً خلال اليوم الواحد، إضافة إلى نحو 80 جندياً فرنسياً.
بونابرت والطاعون الدبلي
مجرد ذكر اسم الطاعون الدبلي على لسان الجنود الفرنسيين كان يعرضهم للتوبيخ من قائد الحملة نابليون بونابرت، وهو الذي كان يرى أن أشد ما ينطوي عليه الطاعون من أخطاء هو الخوف منه، فالخوف من وجهة نظر القائد يساعد على تفشيه بين الجنود. ويقول كريستوفر هولد في كتابه عن الحملة الفرنسية أن القادة الفرنسيين نجحوا في إقناع الجنود بأن ما يصيبهم هذا ليس طاعوناً، بل هو حمى مصحوبة بالدمامل، وكان الدكتور أوميارا، أحد أطباء الحملة، يتولى هذا الأمر، حتى أنه كان يتعمد أن يمسك فراش جندي مصاب بالطاعون الدبلي، ليشجع بقية الجنود على الاستمرار، وعدم الخوف منه.
اهتم بونابرت بشدة بهذا النوع من الطاعون، حتى بعد فشل حملته على الشام، حيث أوفد عدداً من الأطباء إلى الإسكندرية لدراسة الطاعون الدبلي، ولم يكن معروفاً وقتذاك أن الناقل الرئيسي لهذا النوع تحديداً هو البراغيث، وليس الفئران كما كان مشهوراً، وقد نجح في هذا الوقت أطباء الحملة في استخدام بعض طرق الوقاية والعلاج، التي ساهمت بشكل مقبول في تقليل أعداد الإصابات بالطاعون الدبلي.
المدهش أن الطاعون كان أحد أهم بنود معاهدة العريش، والتي بمقتضاها رحل الفرنسيون عن مصر، فيؤكد الجبرتي في كتابه “عجائب الآثار” أن المادة 20 من المعاهدة كانت تنص على الآتي: “لما كانت سلامة أوروبا تقضي باتخاذ أوسع التدابير والاحتياطات لمنع تسرب داء الطاعون إليها، فإن كل شخص مصاب بهذا الداء أو تظن أنه مصاب به، لا يسمح له بركوب السفن”.
وأضاف النص أنه على المصابين بالطاعون الدبلي أو أي من أنواع الطاعون الأخرى، أن يبقوا في المستشفيات المصرية التي يعالجون فيها، ويشرف على علاجهم ضباط صحيون فرنسيون إلى أن يتم شفاؤهم، وعندها يعودون إلى بلدهم بعد إتمام الشفاء.
محمد علي والاهتمام بالصحة
ويروي المؤرخون، وفي مقدمتهم الجبرتي، أن اهتمام دولة محمد علي باشا بالصحة والمستشفيات، كانت سبباً مهماً في قلة حدة ضربات الطاعون، إضافة إلى توتر الأجواء مع الباب العالي في تركيا، بالشكل الذي قلت فيه السفن التجارية القادمة من هناك، حيث ساد الاعتقاد لفترة أن تركيا هي أصل الطاعون إجمالاً، والطاعون الدبلي تحديداً.