صابر فرحات، سفاح جريمة المتحف المصري في عام 1997، كان متعدد الوجوه، وأبرزها فهو ما كشفت عنه أوراق قضية المتحف المصري وقتها أن الشقيقين صابر ومحمود اشتركا في اتفاق جنائي الغرض منه ارتكاب جنايات القتل العمد والتخريب والإتلاف وحيازة الأسلحة النارية والذخائر من دون ترخيص لاستعمالها في نشاط يخل بالأمن، وقامت بقتل تسعة سائحين أجانب من دولة ألمانيا ومصريا واحدا مع سبق الإصرار والترصد.

وما إن ظفروا بالسائحين الأجانب مستقلين الأتوبيس السياحي رقم 1154 حتى أطلقا عليهم الأعيرة النارية وألقيا عليهم عددا من العبوات الحارقة قاصدين قتلهم، واقترنت جنايتهما بجناية أخرى وهي شروعهما في قتل “22” سائحا ألمانيا ومرشدا سياحيا مصريا، بالإضافة إلى إتلاف الأتوبيسات السياحية 1154، 1180، 1351، 1883- سياحة القاهرة.

تقول أوراق القضية إن المتهم محمود شقيق المتهم صابر علي فرحات حاول قتل أمين شرطة ومندوب شرطة أثناء قيامهما بتأدية عملهما في حراسة المتحف المصري، بالإضافة إلى الشروع في سرقة الطبنجة “عيار 9 مللي” من مساعد الشرطة بالقاهرة.

في تحقيقات نيابة أمن الدولة قال مندوب الشرطة: إنه في حال وجوده بالمتحف المصري الساعة 12 ظهرا يوم الخميس 18 سبتمبر العام 1997 شاهد شخصين يحمل كل منهما حقيبة صغيرة إحداهما حمراء والأخرى زرقاء واسترعى نظره وجودهما وبعد لحظات قصيرة سمع صوت انفجار وصراخ فالتفت بوجهه فشاهد أحد الشخصين يقف في مواجهة أتوبيس سياحي ويقوم بإلقاء زجاجات من الحقيبة التي كان يحملها ما أدى لاشتعال النيران فيها وذلك أثناء وجود السائحين بها.

هذا هو الوجه الذي نعرفه لصابر فرحات سفاح حادث المولوتوف في المتحف المصري، لكن لصابر جانب أخر خفي غير هذا الوجه الإجرائمي الذي عرفه به الناس، وقد كشفت المغنية الجزائرية “شيراز”- التي كانت تعيش وقتها في القاهرة- عن هذا الوجة الخفي لمجلة “روزاليوسف” في عددها (3616) الصادر في 29\9\1997، حيث خاضت “شيراز” تجربة عمل مع صابر فرحات بل تعدتها لحدود الصداقة معه، وعرفت الكثير عن شخصيته التي وصفتها بأنها “مهزوزة”.

صابر فرحات في شبابه

و”شيراز” مطربة من أصل جزائري، تركت مهنة الطب كي تحترف الغناء، وجاءت إلى مصر لذات السبب، والتقت للمرة الأولى بصابر في معهد الموسيقى العربية كزملاء دراسة ثم توطدت العلاقة بينهما وتكررت اللقاءات والمناقشات عساهما يحققان ما يتمنيان من مشاريع فنية مشتركة، لكن لا تأتي الرياح دائما بما تشتهي السفن، فقد تعرضت شيراز للكثير من المشاكل بسبب علاقتها بصابر فرحات.

أولى المشاكل- كما تذكر شيراز في حوارها مع روزاليوسف- هو شخص يدعى “محمود الجمل” الذي تعرفت عليه من خلال صابر، والجمل كان يعمل وقتها مديرا عاما لمجلة “العالم يغني” وصاحب ومدير دار للنشر والإعلان والتوزيع، قام محمود الجمل بإنتاج أول شريط كاسيت لشيراز، التي اكتشفت بعد ذلك أن الجمل لا يملك شركة إنتاج من الأساس، لكنه يقوم بهذا العمل من الباطن إذا اقتنع بصوت ما، وحدث أنه ما إن انتهت أخر مرحلة من إعداد الشريط حتى قام الجمل ببيعه إلى شركة “موريفون” المعروفة حيث قامت بدورها وبحكم علاقات مديرها كمنتج معروف بتسويق الشريط في القدس وهو ما سبب أولى المشكلات لشيراز حيث ترددت شائعات عن علاقتها بإسرائيل!

دافعت المطربة الجزائرية عن نفسها فقالت: (.. تسويق الشريط كان في القدس وليس إسرائيل، عن طريق شخص اسمه “يوسف أحمد خلف” يعمل مديرا لشركة اسمها “نيو ساوند” في “بابل العمود” وهو يتعامل مع كل المطربين المصرين كما أنه يملك مجلة “أهل المغنى” ومكتبها في القاهرة).

نفت شيراز الشائعات تماما وقالت إنه حتى لو افترضنا صحة أن يوسف خلف إسرائيلى الجنسية فلم تربطه به علاقة، العلاقة كانت بين محمود الجمل وبين شركة موريفون والأول عرفته شيراز من خلال صابر فرحات.

الغريب أن علاقة صابر وشيراز لم تتوقف عند حدود ألبوم أول، وإنما قاما معا بالتجهيز لألبوم ثان اسمه “شط وميه” والأغرب أنه ألبوم غنائي مشترك، شارك فيه صابر مع شيراز الغناء، والعجيب أن صابر هو من قام بتأليف وتلحين عدد من أغاني الألبوم في الوقت الذي قامت فيه شيراز بتحمل جميع التكاليف الخاصة بالإنتاج!

أغنية “شط ومية” التي سمي الألبوم بإسمها كتبها صابر بنفسه والمفاجأة أنه كتبها خصيصا لشيراز التي قالت إنه صارحها بحبه ورغبته في خطبتها ولكنها رفضت لأن مشروع الارتباط لم يكن واردا بالنسبة لها، ولا ندري هل حقا كتب صابر فرحات كلمات الأغنية بدافع حبه لشيراز أم بدافع الاستمرار في خداعها؟ حيث بدء معها نوبات من الاقتراض ثم الاستفادة من معارفها وأصدقاءها في الوسط الفني.

صابر فرحات

“بيقولوا عليك وعلي
قلبك شط وقلبي الميه
والحلوة عنيك يا حبيبتى
وصفوها قمرة في لياليا”

كانت هذه الكلمات التي كتبها سفاح المتحف المصري أو بالأحرى الألبوم كله سببا في قطع العلاقة بينه وبين شيراز، فبعد انتهاء الألبوم كان عليهما أن يسندا مهمة التوزيع إلى إحدى الشركات لكن صابر أصر على أن يقوم بهذه المهمة بمفرده رغم أن شيراز هي من انتجت الشريط، وبالفعل سافر صابر فرحات إلى السعودية وباع الشريط لشركة تدعى “فرسان” لكنه لم يعطي شيراز ولا مليم واحد من حقها زاعما أن والده يمر بضائقة مالية وأن دخل المخبز الذي يملكه لم يعد يسد احتياجات عائلته، في البداية لم تعترض شيراز وطمئنت نفسها بإنه عندما يتم طرح الألبوم في السوق سوف تحصل على حقوقها كاملة لكنها فوجئت بصابر يثور ثورة عارمة حين طالبته بطرح الشريط في السوق وقال لها: “أنا اللى عملتك.. أنت ولا حاجة.. وهذه ألحاني وليس من حقك أن تتصرفي فيها”.

بناء على هذا الموقف حررت شيراز محضرا لصابر في شرطة المصنفات الفنية بموجب العقد الذي استطاع “محمود قاسم” المحامي أن يحصل عليه من شركة “فرسان” أثناء التحقيق مع صابر لم ينكر شيئا، بل حاول أن يكون لطيفا مع شيراز وأخذ يبرر عصبيته بأنه يمر بأزمات نفسية.

هكذا كانت تجربة شيراز الفنية مع صابر فرحات أما عن ملامحه الشخصية التي عرفتها عن قرب فتقول: “كان سريع الغضب لأتفه الأسباب، ذكي، سريع البديهة، مهزوز الشخصية، يتملكه إحساس عال بالدونية، خصب الخيال، يصعب تشكيله والتأثير عليه، يعشق الأضواء والشهرة، ليست له علاقات نسائية، لا يشرب الخمر ولا المخدرات، ورغم ذلك لم يكن يصلي، فشار، يهوى اختراع القصص البطولية، ورأيه أن المرأة مكانها البيت”.

كان واضحا أن صابر فرحات غريبا، وكان يقول أشياء غريبة لشيراز بمنتهى الجدية فقال لها ذات مرة جاد أنه “عايز يؤجر أهرامات الجيزة مفروش!” وفي مرة أخرى أراد أن “يبيع مترو الأنفاق!” ومرة حلم بأنه أصبح “أغنى شخص في الكون وأن كل الملوك والسلاطين بيخدموني!”.

صابر كان يحمل في داخله- كما تقول شيراز- مشاعر متناقضة تماما، فعلى سبيل المثال كان عبد الحليم حافظ مطربه الأول والأخير ورغم ذلك يكره شخصه كراهية شديدة، ربما لأنه كان يريد أن يكون هو عبد الحليم حافظ، وبالرغم من أنه كان يحاول تقليد عبد الحليم في صوته وأدائه إلا أنه كان يكره هاني شاكر لأنه في رأي صابر نسخة ممسوخة من عبد الحليم!

قام صابر فرحات بعمليات نصب على بعض الفنانين، فقد أخذ من المطرب “محمد رءوف” عربون للحنين ولم يفعل، وعندما انتهى من اللحنين ضمهم إلى شريط “شط وميه”، بالإضافة إلى أنه نصب على “وائل” مدير أعمال الفنانة “أنوشكا” عندما كانا معا في السعودية، وسرق نقوده تاركا له رسالة اعتذار ويعده بأن يرد له المبلغ في مصر!

عندما واجهت الجزائرية شيراز فرحات بالجرائم التى ارتكبها وبأن هذه السلوكيات لا تتناسب مع الفنان الحقيقي الذي يجب أن يتصف بحب الخير لا أذى الناس، كان رده: “إن بعض الناس تحب أن تتعرض للإيذاء! ومن ناحية أخرى عندما يعرض على مطرب “نص نص” أن ألحن له، ما المانع أن “أكروت” له لحنا، لأني لو رفضت سوف يذهب لغيري وأنا أولى بالفلوس”.

أما عن علاقة فرحات بأسرته فقد كانت سيئة وخاصة أبيه- كما قالت شيراز- إلا أنه في نفس الوقت كان يتمنى أن يقدم لهم الكثير، كان يحب أمه جدا، فقد روى لشيراز أنه تم إعفاءه من الخدمة العسكرية لأن “الصول” عندما شتمه بأمه لم يتمالك نفسه، وقام بالاعتداء على الصول واستطاع عن طريق زوج أخته- الذي كان يعمل ضابطا- أن يستخرج شهادة الإعفاء باعتباره مريضا نفسيا!

حادثة أخرى وقعت بسبب أمه، كانت في معهد الموسيقى العربية عندما تشاجر فرحات مع أحد الطلاب، قام بجر الطالب ودخل به في باب زجاجي لمجرد أن الطالب شتمه بأمه أيضا.

ورأت المطربة الجزائرية شيراز في نهاية حوارها مع روزاليوسف أن صابر فرحات كان مكروها في الوسط الفني وكانوا يحتقرونه!