كانت سيدة الغناء العربي أم كلثوم في رحلة علاجية بفرنسا في العام 1949، بسبب أزمة الغدة الدرقية التي ضربتها في سن مبكر من عمرها، ما أدت إلى جحوظ عينيها، وهو ما فسر ارتدائها لنظارة سوداء خلال حفلاتها الغنائية.
وبعد عودتها استقبلها محرر مجلة “الاثنين والدنيا” بحوار نشرته المجلة على صفحة واحدة!.
قالت أم كلثوم في إجابة عن سؤال عن صحتها إن أطباء مصر عالميون، “فما أن أطلع أطباء أنجلترا وسويسرا وباريس على طريقة العلاج التي أشار بها أطبائي المصريون حتى أجمعوا على أنها الطريقة المثلى”.
سألها المحرر عن رؤيتها لأوروبا، فهزت رأسها أسفا وقالت “إن آخر مرة زرت فيها أوربا كانت عام 1939، أي قبل الحرب مباشرة، وقد اختلفت أوربا كثيرا عنها قبل الحرب، حتى أنها شوهت الصورة الجميلة التي كانت مرسومة في مخيلتي عنها، لذلك قل على لساني إن حضارة أوربا تنتازعها الفوضى والاضطرابات، ولن تنهض من عثرتها بعد الآن، ولذلك أستطيع أن أؤكد لك أن المستقبل للشرق”.
أما عن رأيها في مدينة النور باريس، فقالت لم تعد باريس مدينة النور، بل أصبحت مدينة الفقر والمرض والجهل، وهو الثالوث الذي ندعي وجوده في مصر فقط، فالشعب هناك في حال من الفقر يرثى لها، وكأنما أرادت الطبيعة أن تحرم باريس حتى من الجو المعتدل، فأصابتها حرارة ورطوبة لا مثيل لهما في مصر، مما جعل الكثيرين من المصريين يهربون من جوها الخانق، ليعودوا ثانية إلى مصر، مشيرة إلى أن الفقر قضى تماما على أناقة باريس.
وعن رأيها في بندن، قالت “إن جو لندن لا يطاق من فرط الحرارة، كانت أفظع من جو القاهرة، ولذلك أمضيت في لندن أسبوعا لم أستطع أن أزيد عليه يوما واحدا، وكنت أقضى طيلة نهاري في السفارة المصرية، فأنساني كرم أهلها المصريين قيظ لندن وثقل ظلهم”.
وتشير أم كلثوم أن إيطاليا في عهد موسوليني كانت غاية في النظافة والنظام، أما الآن (والكلام لها في 1949) غاية في القذارة والفوضى.
البلد الوحيدة التي أعجبت أم كلثوم في رحلة أوربا هي سويسرا، التي قالت إن جمالها يرجع معظمه إلى طبيعتها التي أبدعها الخالق الأعظم.
“قيل أن علاجك الآن هو الغناء فمتى تبدئين هذا العلاج” هكذا أنهى محرر المجلة أسئلته، لتقول ثومة مبتسمة “لو كان في الإمكان الغناء في العراء لغنيت لكم من الآن، ولكنني أرقب حالة الجو في الأسبوعين القادمين، فإذا كان يسمح بالغناء داخل المسرح فسأغني لكم بمشيئة الله، في عيد الأضحى المبارك. أما إذا ظل حارًا، فسأؤجل العلاج – أي الغناء – إلى أو نوفمبر إن شاء الله”.