كان اسمها ريا علي محمد همام، رقمها بالدفتر العمومي للسجون (5560)، عمرها وقت القبض عليها (35 سنة)، وزنها عند دخول السجن (42 كيلو جرم)، وعند الإعدام (50 كيلو جرام)، أم عن تاريخ تنفيذ الحكم بالإعدام فهو (21 ديسمبر 1921).
لريّا تحديدا مكانة عجيبة في الذاكرة المصرية، ليست لأختها “سكينة”. فتحكي الحكايات أنها كانت الطرف الأقوى، ومن عندها بدأت فكرة الجرائم البشعة التي راح ضحيتها 17 سيدة سكندرية، في حين أن شقيقتها الصغرى “سكينة” والتي لم تكن تبلغ سوى (20 سنة) كانت مجرد تابعة، يشغلها جمالها فتعشق الرجال وتتنقل بينهم، وصاحبة مزاج تقضي معظم وقتها في “الخمارة”.
كانت آخر عبارة قالتها ريا قبل تنفيذ حكم الإعدام “أودعتك يا بديعة يا بنتي عند الله”، ثم نطقت بالشهادتين، ولما نفذ الحكم بقى قلبها ينبض لدقيقتين، ثم غادرت إلى العالم الآخر تاركة جدل كبير استمر حتى وقت كتابة السطور، وربما يستمر لمدة أكبر.
في التحقيقات قالت ريا بشكل واضح إن الضحايا ليسوا إلا “مومسات” ساقطات كان يجب على المجتمع أن يتخلص منهن، ولذلك فعلوا جرائمهم نيابة عن المجتمع وعن السلطة.
في الحكم النهائي، قال القاضي إن تهمة ريا علي همام وسكينة علي همام ليست تهمة الفاعل الأصلي، بل تهمة الفاعل المشارك، حيث أنهما كانا يجلبان الضحايا للفتوات “عرابي وحسب الله” وهما ما كنا يجهزان عليهما.
ربما هذه الأشياء وغيرها، جعلت البعض في زمننا هذا يرى أن ريا وسكينة لم تكونا مذنبتان، بل لم تفعلا أكثر مما فعله البطل الأسطوري الشعبي أدهم الشرقاوي مثلا، والذي كان قاطع للطريق، لا يفرق بين مصري وبريطاني.
يرد على ذلك صاحب كتاب “رجال ريا وسكينة” صلاح عيسى، فيقول إن مسألة تحويل المجرم إلى بطل شعبي تستند في الأساس إلى فكرة المجرم الذي يتحدى سلطة باطشة، وهذا بالتأكيد يرسخ ويوثق لقيمة متخلفة داخل مجتمعنا، مثل الأخذ بالثأر في موال ياسين وبهية أو شفيقة ومتولي، قائلا “لكن عندما درست قضية ريا وسكينة دراسة معمقة، لفت نظري أن الشعب لم يحولهما إلى أبطال، بل بالعكس، نسبوا إليهم من الجرائم ما لم ترتكباه، لأن الحقيقة أن لا ريا ولا سكينة مدت يدها على أي ضحية، فمن كانوا يقتلون هم الفتوات، ويوم ما تم إعدامهم وقفت سيدات الحي الذي كانوا يسكنون فيه وغنوا (خمارة يا أم بابين.. وديتي السكارى فين)”.
ويرى عيسى أن هذا يرجع لأسباب تعكس سلامة فطرة الشعب المصري، أولا لأنهم كانوا يقتلون سيدات من طبقتهم ومن المظاليم، وكلهن فتيات ليل أجبرهن الفقر والجهل والمرض على أن يبيعن أجسادهن، وثانيا لأنهم كانوا يأكلون معهم “عيش وملح”، وهي العلاقة التي يحترمها جدا الشعب المصري، وبالمناسبة هي أيضا موجودة في موال “أدهم الشرقاوي”، والتي نهايته تشبه نهاية المسيح ويهوذا الإسخريوطي، فمن سلم أدهم هو صديقه محمد خليل، شيخ غفر، الذي كان يعلم تحركاته جيدا.
ويقول “كراهية المصريين لريا وسكينة وجدتها أيضا في دراستي لتعليقات الصحف عن القضية وقتها، فكان الخوف الشديد من استغلال هذه الجرائم خارجيا في إضعاف موقف مصر التفاوضي بشأن الاستقلال، وإظهار الخارج مصر على أنها في فوضى وأنها غير مؤهلة للاستقلال. في الكتاب حرصت على أن أوكد أن هناك متهمين آخرين لم يدخلوا القفص، مثل الاستعمار العالمي الذي أفقرنا ونهب مواردنا، والأوبئة التي طاحت في المصريين”.
ويعتقد عيسى أن ريا وسكينة كانا يستحقا الإعدام، على الرغم من أنهما لم يشتركا بأيديهما في القتل، لأن التهم التي وجهت إليهما هي التحريض والاشتراك والتخطيط والمساعدة، وبالتالي أخذا نفس عقوبة الفاعل الأصلي.
ويختتم بالقول بأن ريا وسكينة كانا كشافتين، أي أنهما من يختارا الضحية، ثم هما من يستدعيا الفتوات لقتلها، ولم يثبت في المحاضر أنهما حضرا أي من وقائع القتل، فكانا ينتظران في الخارج لأنهما كانتا تمتازان بالجبن والخوف.
في الكتاب ذاته ذكر عيسى أن جموع السكندرية كانوا يتجمهرون حول السيارات التي كانت تـُرحّل فيها ريا وسكينة عند المحاكمات، وكانوا يقذفونهما بـ”الشباشب والحجارة”، إلا أنه بعد ما يقرب من نحو 97 سنة يرى آخرون أنهما كانتا مظلومتين.