ما الذي جرى لـ”روبرتو كارلوس” بعد 20 عامًا من هدفه الإعجازي؟

الجناح الطائر.. أخطر وأقوى مدفعجي ربما في تاريخ الكرة الحديث.. البرازيلي روبرتو كارلوس على أعتاب زنزانة السجن.. وكلمة السر “تأخره عن دفع 20 ألف دولار فقط نفقة لنجليه”..

المحكمة اعتبرت النجم الخارق، وعلى عكس تسديداته الخاطفة شديدة السرعة، شديدة الدقة، شديدة الإبهار.. متباطئًا ومتخليًا ومهملًا بشأن رعاية نجليه.

من المثير للسخرية، أن الإدانة القضائية تأتي بعد عقدين بالتمام والكمال من الإشادة العالمية و”العلمية” الواسعة بهدف روبرتو المحير في مرمى منتخب الديوك الفرنسي..

وصف تفصيلي

جرى ذلك في صيف العام 1997. في ستاد دي فرانس، حيث سجل النجم البرازيلي أحد أبرع وأجمل أهداف التاريخ، حتى أن روعته الشديدة دفعت معاجم ومراجع الإحصاء والتوثيق الرياضي لوضع وصف تفصيلي ثابت له، تنقل منه الصحافة والإعلام، وتعتمده مراكز البحث الفيزيائي ومعامل اختبارات السرعة وشركات صناعة الأدوات الرياضية، وأهمها كرة القدم.

يقول الوصف التعريفي المستقر عليه دوليًا وعلميًا للهدف المسجل خلال المباراة الافتتاحية لبطولة فرنسا الدولية الودية تمهيداً لنهائيات كأس العالم 1998:

“تقدم اللاعب (روبرتو) لتسديد ضربة حرة من مسافة بعيدة (35 مترًا/ 115 قدمًا) من المرمى، وسدد كرة قوية بيسراه. وبدا للوهلة الأولى أن الكرة في طريقها إلى خارج المرمى. ولكن الكرة غيرت مسارها بشكل لولبي وسكنت شباك حارس المرمى المنافس (الفرنسي فابيان بارتيز) الذي اكتفى بالنظر إليها”.

حيرة فيزيائية

حيرت الكرة علماء الفيزياء وأدهشتهم بقدر أكبر حتى من ملايين المجاذيب من عشاق الساحرة المستديرة ممن وقفوا في حالة ذهول وهم يشاهدون الكرة تعانق الشباك بعدما ظن الجميع أنها ستخاصمها حتمًا وستذهب بعيدًا عنها.

وتعددت التفسيرات العلمية لسبب الانحراف المفاجئ للكرة قبل سنتيمترات من خط المرمى، لتغير اتجاهها من الذهاب بعيدًا إلى خارج الملعب لتسكن فجأة عرين بارتيز.

عبرت الكرة إلى المرمى وكأن القائم قد تزحزح مليمترات ليفسح لها طريقًا سريعًا.

غلب الهدف الظاهرة فهم العلماء.. وأطلق عليه البعض “الضربة التي هزمت الفيزياء”، بينما أراح آخرون أنفسهم وقرروا تعليق كل شيء على شماعة الحظ.

نقلا عن BBC
نقلا عن BBC

ضربة حظ

لكن، كيف للحظ أن يخدم لاعبًا اعتاد التدريب على تسديد 150 ضربة ثابتة خلال التمرين اليومي.. على الأرجح عمله في أرضية الميدان لن يكون مصادفة أو مجرد ضربة سعادة.

قد يحتاج قليل من الحظ لمزيد من الإنجاز والإبهار وكمكافأة لاجتهاده، لكن بالأساس هو يملك ما يفعل، أو غالبيته إن تحرينا الدقة.

الحظ لا يخدم دومًا الفقراء.. هكذا هي أسطورة التعاسة.. روبرتو نجل مزارعين فقيرين، وكان يعمل طفلًا في مصنع للقماش.. سيرته الأولى لم تكن تؤشر إلى أي ألق ونجومية وثروة قادمتين أو شهرة في الطريق.. لكن الحظ لا يتخلى عن الاستثنائيين عادة.. ولو كانوا من المعدمين.. هكذا سطع نجم ملك التسديدات اليسارية الخارقة، وهكذا خلد التاريخ هدفه المجنون الذي أعجز العلماء.

حل اللغز

طوروا معادلات فيزيائية عدة بحثًا عن سبب منطقي يفسر الهدف.. لم يهضموا حكاية الحظ المتداولة.. اعتبروها حجة الفاشلين.. في الأخير وصلوا إلى المبتغى.

المعادلة التي حلت اللغز، وهي نتاج جهد بحثي فرنسي، بدأ بالأساس في دراسة مسار رصاصة ثم ما لبث أن اشتغل على ضربة روبرتو، استقرت على أن الهدف ليس مصادفة، بل قابل للتكرار عشرات المرات، بشرط أن تضرب الكرة بالقوة الكافية، بحيث تدور حول نفسها مرات لا نهائية، ويصبح تأثير الجاذبية عليها طفيفًا في هذا الشأن، وهو ما يفسر سر انحرافها عن مسارها الطبيعي، ومن ثم لم تذهب بعيدًا، لتعود دون سابق إنذار صوب المرمى.

روبرتو قهر الجاذبية، فيما أن المسافة البعيدة للضربة الثابتة المسددة ساعدته أيضًا. فلو كان الأمر أقرب لمنطقة الجزاء لكان الجميع شاهد الجزء الأول من المسار (انحراف للكرة بعيدًا عن المرمى).

بُعد المسافة منحها الوقت الكافي للاستفادة من قوتها الكبيرة في قهر الجاذبية، ومن ثم انحرفت إلى عرين بارتيز. انحرفت لتدخل التاريخ، ويتوج صاحبها بطلًا فوق العادة.

الزنزانة في انتظاره

فقير موهوب قهر الحاجة والعوذ بالصبر والتدريب حتى صار صاحب تاريخ وثروة وسمعة طيبة.. سطع في سماء الكرة العالمية والبرازيلية لنحو عقدين.. نال عشرات البطولات مع الملكي ريال مدريد ومع راقصي السيليساو.. متوج بكأس العالم مرتين.. مخلد في موسوعات الأرقام القياسية والإعجازية. يجتهد اليوم في محاولات تدريب جادة.

باختصار لا شائبة في ثوبه ناصع البياض..

لكن المحكمة كان لها رأي آخر، وللعجب أنها أعلنته في الذكرى العشرين لمعجزته.. القضاة اعتبروه بطلًا من ورق.. من يتخلى عن نجليه لا يستحق الإشادة.. هل ستنقص 20 ألف دولار شيئًا من ثروة اللعب الفذ؟

السجن 3 أشهر.. عقوبة رأتها المحكمة أقل ما يستحقه روبرتو بعد 20 عامًا من إنجازه التاريخي.. اعتبرتها تكشف وجهًا مخفيًا من أسطورته.. وجهًا معتمًا ومخجلًا لصاحب الكرة الأكثر إعجازا في ملاعب كرة القدم العالمية.

اقرأ أيضًا:

4 نجوم مصريين مرشحون للعب في كلاسيكو الأرض خلال 3 سنوات

فروق “مجهولة” لا يعرفها أحد بين ميسي وماردونا