في عام 1988، أصبحت ابنتا الأديب العالمي نجيب محفوظ، فاطمة وأم كلثوم، محط أنظار العالم أجمع، وأصبحتا مثار حديث الوسط الثقافي في مصر والوطن العربي لفترة طويلة، رغم اعتيادهما التزام الهدوء والبعد عن الصحف ووسائل الإعلام.
فقد في ذلك العام، جدل كبير حول من سيختاره محفوظ لاستلام جائزة نوبل في الآداب بدلا عنه.
محفوظ اختار في البداية الكاتب محمد سلماوي، فقامت الدنيا ولم تقعد إلا بعد أن ثار الأديب الكبير نفسه على المهاجمين.
في 19 من أكتوبر سنة 1988، نشرت جريدة “الأخبار” أن محفوظ سيحضر الاحتفال في ستوكهولم، حيث نص الخبر على أن محفوظ بعدما كان يرفض فكرة السفر لاستلام الجائزة بسبب حالته الصحية، صار أكثر اقتناعا بضرورة سفره لكي يسمع العالم أول أديب عربي يتكلم اللغة العربية من فوق منبر المجد.
في 26 من أكتوبر نشرت جريدة “الأخبار” أيضا أن الأطباء المشرفون على علاج محفوظ نصحوه بعدم السفر بسبب ارتفاع نسبة السكر عنده والكوليسترول، حيث أن الإرهاق سيسبب له كثيرا من المتاعب.
وعلى ذلك فإنه كان على محفوظ أن يختار مندوبا له ليستلم الجائزة بدلا منه، ففي اجتماع يحكي عنه الأديب الكبير محمد سلماوي، على صفحات جريدة “الأخبار” يوم 17 من نوفمبر سنة 1988، فيقول “إن الأستاذ نجيب محفوظ اعتذر لستوري ألين السكرتير الدائم للجنة السويدية، عن السفر بسبب ظروفه الصحية وأنه يرى أن يقوم السفير المصري هناك باستلامها نيابة عنه، وأوضح مندوب الأكاديمية السويدية أن تقاليد نوبل تقضي بأنه في حالة تعذر سفر صاحب الجائزة فإن من ينوب عنه يكون أحد أفراد أسرته أو ممثلا شخصيا عنه من المجال الأدبي”.
ويضيف سلماوي “وهنا أوضح الأستاذ نجيب أن أفراد أسرته قد رفضوا السفر وأنه يختار محمد سلماوي ممثلا شخصيا عنه، وقد أوضح لبعض سائليه في مقام آخر بأن اختياره كان لأسباب ثلاثة أولها أنه أراد أن يمد يده بالجائزة إلى الأجيال الشابة من الكتاب، وثانيها اعتقاده بأنني مؤهل للقيام بهذه المهمة، وثالثها أنها تقع بشكل أو بآخر داخل اختصاص منصبي كمسئول عن العلاقات الثقافية الخارجية”.
وأشار سلماوي إلى أن محفوظ كتب بخط يده خطابا إلى مندوب الأكاديمية السويدية وكذلك وزير الثقافة المصري باختياره، إلا أن سلماوي أكد أنه اعتذر أيضا لمحفوظ بسبب الضغوط التي لاحقت أديب نوبل ممن يطمعون في السفر إلى السويد بدلا منه، لكنه رفض الاعتذار.
في عدد مجلة المصور الصادر في 25 نوفمبر سنة 1988، أدلى محفوظ بتصريحات هاجم فيها من ضايقهم اختيار سلماوي كنائب عنه لاستلام الجائزة، فقال “عيب، وينبغي أن يتوقف الكلام حول هذه النقطة، أنه – سلماوي – يؤدي خدمة لي فلماذا نهاجمه، أفهم أن الناس تتسابق في أداء خدمة عامة ولكن هذه خدمة شخصية، ثم لماذا يثير الوقوف أمام ملك السويد لتسلم ميدالية كل هذا الجدل”.
وفي سؤال عن السبب في عدم اختياره لزوجته أو إحدى ابنتيه لأداء هذه المهمة قال محفوظ “رفضن بعد رفضي، وأؤكد أننا ونحن نستعد للسفر في البداية وجهزنا أنفسنا، ولكن ظروفي الصحية حالت دون ذلك، كما أن الغربة ليست مألوفة لأسرتي الصغيرة”.
كلمة هادئة طرحها الناقد نبيل فرج على صفحات جريدة “الوفد” في العدد الصادر يوم 27 نوفمبر من العام 1988، حيث أكد أنه لم يفهم معنى الضجة المثارة حول سفر سلماوي لاستلام جائزة نوبل نيابة عن محفوظ، سوى أنها فرض وصاية على الكاتب الكبير، واصفا اختياره بأنه لم يكن عشوائيا، لأن محفوظ ليس من هذا الطراز، فسلماوي يجيد إجادة تامة اللغتين الإنجليزية والفرنسية، فهو بذلك بغير حاجة إلى الاستعانة بمترجم، كما أن له خبرة في التعامل مع العالم الخارجي، خاصة دوائره الثقافية، فضلا عن كونه كاتب مسرحي.
في 30 نوفمبر من نفس العام نشرت جريدة “الأخبار” أن كريمتا محفوظ، فاطمة وأم كلثوم، سوف تسافرا لاستلام الجائزة، على أن يلقي سلماوي الخطاب الذي كتبه محفوظ بهذه المناسبة.
بعدها بيوم أكد الأديب الكبير أنه ليس مهم الشخص الذي سيسافر إلى السويد لاستلام الجائزة لأنه في النهاية يعتقد أن الجائزة ليست له وحده ولكن لمصر كلها.
وقد أجرت مجلة “الكواكب” حوارا مع سلماوي في عددها الصادر يوم 6 ديسمبر من العام 1988، أكد فيه إن القيمة العظيمة للجائزة حصل عليها نجيب محفوظ نفسه، أما ممثله في استلام الجائزة فهو مجرد مرسال شخصي له، وفي ختام الحوار أكد أن محفوظ باختياره سفر نجلتيه لاستلام الجائزة من ملك السويد كارل جوستاف، واختياره له لإلقاء الكلمة قد أرضى الجميع.