كانت أول مرة يجلس فيها الفلاحون في “الحضرة الملكية”
تعالت الهتافات بحياة الملك حتى شعر النقراشي بالحرج أثناء إلقاء كلمته
“إن مشروع توزيع الأراضي على صغار الفلاحين أول محاولة عملية ناطقة لتحقيق العدالة الاجتماعية ولمحاربة الشيوعية بالإجراء العملي المنتج”.
هذه الجملة لم تكتبها الصحافة بعد ثورة يوليو، التي ينسب لها مشروع الإصلاح الزراعي القاضي بتوزيع الأراضي الزراعية على صغار الفلاحين، بل كتبتها جريدة المصور قبل الثورة بسنوات.
ويؤكد التقرير الذي نشر بتاريخ (2 أبريل 1948) أن عثمان أباظة بك وكيل المالية ومدير مصلحة الأملاك، عني بدراسة المشروع هو ومعاونوه دراسة وافية من سنة 1944، ثم عرضه على اللجنة الاستشارية وبعدها قدم مذكرة وافية سنة 1946 ضمنها اقتراحا، ثم أذاع مكرم باشا وعثمان بط خطبتين في الراديو أعلنا فيهما الخطط التنفيذية.
ويضيف الخبر أنه بتنفيذ المشروع في كفر سعد اختفى شبح الفقر من 600 بيت بعد أن ظل جاثما على صدور أصحابها أجيالا وأجيالا، فقد نالت كل عائلة منها خمسة أفدنة ومنزلا صحيا وجاموسة.
وحضر المزارعون الفقراء بعائلاتهم إلى كفر سعد، وجلس الرجال منهم في السرادق الملكي في الصفوف الخلفية، وكانت هذه أول مرة في تاريخ البلاد يسمح فيها لهؤلاء المعدمين بالوجود في الحضرة الملكية.
ويؤكد الخبر أن أصوات الهاتفين بحياة الملك تعالت للدرجة التي شعر خلالها النقراشي باشا بالحرج، وهو يلقي كلمته في السرادق.
الملك فاروق كان حاضرا في المشهد، وقد تضمن الخبر نصا قول “رأى جلالة الملك الساحة الشعبية نظيفة أنيقة، فقال أرجو أن تظل نظيفة مع كافة المنطقة، وأن يعني بتوجيه سكانها الجدد بالشكل الصحيح”.
الخبر يتضمن صورة كتب عليها تعليقا كبيرا بأن جلالة الملك يقدم لأحد الفلاحين حجة تمليك خمسة أفدنة، حيث إنه الفائز الرابع في القرعة وقد رأى أن يقبل يد جلالته قبل أن يستلم الحجة، قائلا “إن تقبيل يد جلالته كانت أمنيته الأولى قبل أن يفكر أو يمني نفسه بأن يكون صاحب أطيان!”.
أما الصورة الثانية فكانت لجمع من الفلاحين وهم يهتفون وكتب عليها “كان هؤلاء الفلاحون معدمين لا يملكون ما يمسكون به رمقهم إلا عرق الجبين، أما اليوم فقد أصبح ستمائة منهم في زمرة الملاك، فلا عجب أن يتملكهم السرور، وتحت هذا الكلام صورة واحد منهم يهتف بحياة الفاروق (الفلاح الأول)”.
وكتب أيضا “بينما ترى شخص يدعى سليمان محمد من بلدة الباجور يضرع إلى الله أن يبقي الفاروق ويحفظه، وسليمان هذا متزوج وله عشرة أولاد وثلاث زوجات، وقد قال لمندوب المصور أنه ظل أجيرا أربعين سنة، وتاب الله عليه الآن خير توبة”.
يذكر أن قانون الإصلاح الزراعي ارتبط باسم ثورة يوليو والزعيم الراحل جمال عبدالناصر، حيث عمل القانون على نزع ملكية ما يزيد على نصف مليون فدان، أي ما يقرب من 8.4% من إجمالي المساحة المنزرعة في مصر في ذلك الوقت.
وتكون القانون من 6 أبواب تشمل 40 مادة، حددت المادة الأولى الحد الأقصى للملكية الزراعية بـ 200 فدان للفرد، وسمحت المادة الرابعة للمالك أن يهب أولاده مائة فدان، كما سمح القانون للملاك ببيع أراضيهم الزائدة عن الحد الأقصى لمن يريدون، وأعطى لهم الحق في تجنب أراضي الآخرين المبيعة.
وقرر القانون توزيع الأراضي الزائدة على صغار الفلاحين بواقع (من 2 إلى 5 أفدنة) على أن يسددوا ثمن هذه الأراضي على أقساط لمدة ثلاثين عاما وبفائدة 3% سنويا، يضاف إليها 1.5% من الثمن الكلي للأرض؛ وفاء للموجودات التي كانت على الأرض.