“أيها السيدات والسادة.. والآن ينفتح الستار عن كوكب الشرق.. سيدة الغناء العربي.. أم كلثوم” ثم تصفيق حار!

هذه الجملة، سوف تتردد الليلة، ولأول مرة منذ أربعين عاما، عبر إحدى قنوات التلفزيون السعودي الرسمي.

فقد فوجئ المجتمع السعودي، وربما العالم برمته، بخبر فريد من نوعه، أذاعته القناة الثقافية السعودية، مفاده عودة إذاعة الحفلات الغنائية عبر التلفزيون الرسمي للمملكة، وأن البداية ستكون مع حفل لأم كلثوم يذاع في منتصف الليل.

الخبر الذي انتشر عبر مختلف وسائل الإعلام العربية والأجنبية خلال دقائق معدودة من الإعلان عنه، أثار ضجة كبيرة في مجتمع يشهد تغيرات عدة وتحولات مفاجئة يخرج فيها من عباءته المحافظة التي ارتداها لعقود، ليرتدي ثوبا أكثر انفتاحا ربما لا يتقبله الكثيرون في بلاد الحرمين الشريفين.

الجدل اندلع عندما نشر الحساب الرسمي للقناة الثقافية عبر موقع التواصل الاجتماعي “تويتر”، تغريدة أعلن فيها لمشاهديه إذاعة حفل لسيدة الغناء العربي في تمام الساعة الثانية عشر من منتصف الليل، مرفقا التغريدة بصورة شهيرة لأم كلثوم تظهر وقد أمالت رأسها طربا من فرط استمتاعها باللحن الذي تردده، ولينك لمتابعة الحفل عبر البث المباشر في يوتيوب.

المرحبون بالخطوة، اعتبروها عودة لأمجاد التلفزيون السعودي، الذي كان يذيع مثل هذه الحفلات الغنائية والكثير من الأعمال الفنية المختلفة قبل أربعة عقود من الآن.

اقتحام الحرم المكي

وهي الحقيقة التي ربما أدهشت الكثيرون، فقد كان التلفزيون السعودي في بداياته، لا يختلف كثيرا عن أي تلفزيون عربي، يذيع البرامج التي تقدمها النساء، ويقدم السهرات والمسلسلات والبرامج الترفيهية والأغاني، قبل أن تتغير كل هذه الأمور، بعد واقعة اقتحام الحرم المكي عام 1979.

ففي صباح يوم الأول من محرم، مع مطلع القرن الهجري عام 1400، استيقظ العالم الإسلامي على فاجعة اقتحام الحرم المكي، من قبل مجموعة من المتشددين يقودهم مواطن سعودي يدعى “جهيمان العتيبي”، حيث قاموا بحصار الحرم والتمترس داخله وأعلنوا أن المهدي المنتظر ظهر بينهم، مطالبين الجميع بمبايعته وإسقاط النظام السعودي.

واستند مقتحمو الحرم في هجومهم على النظام السعودي، إلى ما اعتبروه انحلال وتهتك من قبل الحكومة، وابتعادها عن الشريعة الإسلامية وميلها إلى الحياة الغربية، مستشهدين بالمظاهر المدنية التي كانت تسيطر على مختلف جوانب حياة السعوديين في ذلك الوقت.

وبعد 15 يوما من الحصار، شهدت مقتل وإصابة المئات سواء من زوزار المسجد الحرام أو من المهاجمين للحرم أو من قوات الأمن السعودية، تمكنت السلطات من القضاء على المهاجمين وفك الحصار ومن ثم إعدام كل من شارك في هذه الجريمة.

ويبدو أن السلطات السعودية رأت أن تقلب الطاولة على المتشددين الذين اتهموها بالابتعاد عن الدين، وتسحب البساط من تحت أقدامهم، وذلك عبر اعتمادها لأساليب الحياة المحافظة والتشدد في أمور الدين، وكان من جملة ذلك، وقف إذاعة الحفلات الغنائية عبر التلفزيون الرسمي السعودي، وإغلاق دور السينما التي كانت موجودة في ذلك الوقت -على قلتها- والتشدد في منع الاختلاط بين الجنسين في الأماكن العامة، ليتوقف التلفزيون عن إذاعة حفلات أم كلثوم قرابة 40 عاما، قبل أن تقرر السلطات عودتها من جديد.

فتوى آل الشيخ

الخطوة المفاجئة كانت بالرغم من تمسك المفتي الحالي للمملكة، الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ، بموقفه الرافض للسماح بإقامة وإذاعة مثل هذه الحفلات الغنائية، حيث أكد مطلع العام الجاري، أن مثل هذه الحفلات “فساد للأخلاق ومدمرة للقيم ومدعاة لاختلاط الجنسين”.

إلا أن الحكومة الحالية للسعودية، تسعى جاهدة لفرض نمط حياة مختلف عما عهده المجتمع السعودي لسنوات، وهو النمط الذي ظهر جليا في قرار الملك سلمان بن عبدالعزيز السماح للمرأة السعودية بقيادة السيارة، بالإضافة إلى إنشاء هيئة الترفيه التي تشرف على إقامة الكثير من الحفلات والمهرجانات.