إعلانات صابون “نابلسي فاروق” والذي تحول بعد ثورة يوليو 1952 إلى “نابلسي شاهين”، ربما تكون الأزهى نفاقا على مر التاريخ.

والنفاق ها هنا ليس فقط بالقصة المعروفة الخاصة بحذف اسم “فاروق” من المنتج بعد رحيل الملك في ثورة يوليو، وليس أيضا لأن صحف ومجلات الأربعينيات نشرت إعلانات لأم كلثوم وعبدالوهاب ورشدي أباظة، وهم يعددون في ميزات صابون “نابلسي فاروق”، ولكن لأن أعضاء الحكومة وبلاط القصر هم أيضا صاروا جزءً من الحملة الإعلانية للصابون.

في العدد رقم 600 بتاريخ 10 من ديسمبر 1945 من مجلة “الاثنين والدنيا”، التي كانت تصدر عن دار “الهلال” كان الإعلان العجيب. إعلان استحوذ على صفحة بأكملها، وعنوانه “تصريحات لبعض أعضاء الهيئة السياسية”.

ربما ينخدع القراء لأول وهلة في الإعلان، ظنا منهم أنه خبر سياسي، لاسيما أن العناوين بالفعل لم تكن في هذا الوقت تحمل معلومة خاصة بمحتوى الخبر، فضلا عن البدء بالصيغة الخبرية المعتادة “صرح بعض أعضاء الهيئة السياسية بما ننشره فيما يلي..”، ثم شيء فشيء تظهر الخديعة ويبدأ الأمر في الوضوح، خصوصا مع جملة “هو الدليل الذي لا ينقص على أن نابلسي فاروق هو دائما ملك الصابون”.

الإعلان حمل تدوينات لبعض الشخصيات السياسية في مصر يمدحون فيها صابون يحمل اسم ملكهم.

أول المدونين هو شريف باشا صبري، خال الملك فاروق، وأحد أعضاء مجلس الوصاية على العرش الذي شـُكل بعد وفاة الملك فؤاد مباشرة، والذي كان شغل أيضا منصب رئيس الجمعية الجغرافية المصرية، فكتب في الإعلان “أرجو أن ينال صابون نابلسي فاروق من النجاح والرواج ما يستحق”.

كما دون أيضا علي باشا ماهر، الذي شغل منصب رئيس وزراء مصر أربعة مرات قائلا “أرجو لهذا الصابون المصري تشجيعا”، أما إسماعيل صدقي باشا رئيس وزراء مصر في الفترة التي نشر فيها هذا الإعلان فقال “أشكر شركة نابلسي فاروق لتفضلها بإرسال عينة منه، وقد خبرته ووجدته من فرع طيب يستحق من أجله أصحاب الشركة كل ثناء وكل تشجيع”.

القاضي الجليل بمحكمة العدل الدولية، عبدالحميد بدوي، وزير المالية والخارجية السابق، أو معالي بدوي باشا كما ذكر الإعلان فكتب “أشكر لشركة شاهين هديتها من صابون نابلسي فاروق وأرجو لهذه الصناعة المصرية ما هي حثيثة به من تشجيع ورواج”.

مكرم عبيد والذي يعتبره الكثيرون أحد رموز الحركة السياسية الوطنية المصرية، وهو الخطيب المفوه الشهير كتب رسالة لصاحب المصنع محمد أحمد شاهين فقال “إلى حضرة الوطني الفاضل محمد أحمد شاهين. خالص شكري على هديته من صابون نابلسي فاروق وخالص تقديري وإعجابي بمنتجاته الوطنية القيمة. وأرجو أن يكون نجاح هذا الصانع المصري حافزا لغيره من أبناء هذا الوطن على ولوج باب هذه الصناعات والتفوق فيها”.

في حين أرسل حافظ عفيفي باشا الذي عين وزيراً للخارجية في أواخر العشرينيات، وسفيراً لمصر في لندن بين عامي 1936 و1938، قبل أن يعين مندوباً لمصر في مجلس الأمن الدولي، كلماته المادحة قائلا “أشكركم جزيل الشكر على هديتكم من صابون فاروق وقد وجدناه من نوع جيد فنتمنى لكم النجاح المستمر”.

أما حافظ رمضان باشا رئيس الحزب الوطني بعد محمد فريد، فكتب “استعملت صابون نابلسي من الهدية التي أرسلتها لي فوجدته جيدا ويستحق التشجيع وسأكون أول من يقوم بهذا التشجيع باستعماله”.

وفي أسفل يسار الإعلان كان دور محمد علي علوبة باشا وزير الأوقاف والمعارف السابق، والذي قال “اختبرت صابون نابلسي فاروق من صنع محل محمد أحمد شاهين أفندي، ويسرني أن أرى هذا الصابون من أجود الأنواع التي رأيتها، كما يسرني تشجيع هذه الصناعة الوطنية وجميع الصناعات المصرية الأخرى، فإن هذا فرض وطني على جميع المصريين”.