انشغلت مواقع التواصل الاجتماعي بتصريح جديد، وجدت فيه ضالتها للنقاش والجدل، استهلك عدة ساعات متواصلة على “فيسبوك” و”تويتر”، للتعليق على ما ورد على لسان الدكتور عصام الروبي، أحد علماء الأزهر الشريف، في حلقة له على قناة “العاصمة” بشأن اسم “الفيل” الذي اصطحبه أبرهة الأشرم لهدم الكعبة.
فقد قال الروبي في حلقته مع الإعلامي محمد حفوظ، إن أبرهة اصطحب معه جيشا عظيما جرارا، على رأسه 8 أفيال، وقيل 12 فيلا، وقيل فيلا واحدا، مؤكدا أن اسم الفيل كان “محمودا”.
تصريح الروبي أثار دهشة محفوظ، الذي ربط بينه وبين تصريح سابق للدكتور سعد الدين الهلالي أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، عندما قال قبل عدة أيام، أن فرعون موسى كان اسمه “وليد”.
إلا أن الروبي أكد أنه لم يأت بهذا الاسم من عندياته، وإنما هو اسم أجمع عليه العلماء، مؤكدا أنه تأكد من صحة الاسم قبل توجهه للحلقة، من مصادر عدة، منها مؤلفات لابن كثير والطبري والقرطبي.
مصادر تاريخية
“عرب لايت” من جانبها، توجهت للمصادر التي ذكرها الروبي للتأكد من صحة كلامه، فوجدت أن ما ذكره صحيح بنسبة 100%.
فقد ذكر الاسم في كتاب “البداية والنهاية” لابن كثير في الجزء الثاني صفحة رقم 147، وكذا في الجزء الثاني من “تاريخ الطبري” صفحة رقم 135، وأيضا في “تفسير القرطبي” في باب تفسيره لسورة “الفيل”.
وكان من اللافت، أن المصادر الثلاثة نقلت ما ذكر حول الفيل، بشكل يكاد يكون متطابق، نقلا عن كتاب السيرة النبوية لابن إسحاق.
حيث ذكر ابن إسحاق في الصفحة رقم 46 من النسخة التي حققها “أحمد فريد المزيدي” ما نصه:
[فلما أصبح أبرهة تهيأ لدخول مكة، وهيأ فيله، وعتّى جيشه -وكان اسم الفيل محمودا- وأبرهة مجمع لهدم البيت، ثم الانصراف إلى اليمن. فلما وجهوا الفيل إلى مكة أقبل نفيل بن حبيب حتى قام إلى جانب الفيل ثم أخذ بأذنه، فقال: ابرك محمود أو ارجع راشدا من حيث جئت، فإنك في بلد الله الحرام، ثم أرسل أذنه، فبرك الفيل، وخرج نفيل بن حبيب يشتد حتى أصعد في الجبل، وضربوا الفيل ليقوم فأبى، فضربوا في رأسه بالطبرزين (*) ليقوم فأبى، فأدخلوا محاجن (*) لهم في مراقة (*) فبزغوه (*) بها ليقوم فأبى، فوجهوه راجعا إلى اليمن فقام يهرول، ووجهوه إلى الشام ففعل مثل ذلك، ووجهوه إلى المشرق ففعل مثل ذلك، ووجهوه إلى مكة فبرك.]
الطبرزين: حديدة معقوفة كالخطاف.
محاجن: وهي عصا معوجة الطرف.
المراق: ما سفل من لحم البطن.
فبزغوه: وخزوه بالمحاجن التي معهم حتى سال منه الدم.
سيرة ابن إسحاق
ويعد محمد بن إسحاق المدني هو أول مؤرخ عربي يكتب عن سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، حيث قضى عدة سنوات في جمع المتواتر عن سيرة النبي من أهل المدينة شفاهة.
ويرى بعض المؤرخين، أن ابن إسحاق لم يهتم بتدقيق صحة الروايات بقدر ما كان غرضه جمع كل ما يمكن جمعه عن سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو ما اعترف به الرجل في مقدمة كتابه حيث قال إن “الله وحده عليم أي الروايات صحيحة”.
فيما قال عدد من المستشرقين إن هناك شكوكا حول صحة بعض الروايات والحقائق التاريخية المذكورة في السيرة النبوية لابن إسحاق، بسبب انقضاء ما يقرب من 120 سنة بين وفاة الرسول وبين جمع الروايات الشفهية التي ضمنها ابن إسحاق في كتابه.
تحليل مختلف
بيد أن هناك تحليل للجملة التي وردت في سيرة ابن إسحاق، وهي “ابرك محمودا أو ارجع راشدا”، مفادها أن من خاطب الفيل، كان يطلب منه أن يبرك ولا يتوجه إلى هدم الكعبة، معتبرا أن امتناعه عن الهدم هو “فعل محمود” يستحق الحمد عليه، أو أن يرجع “راشدا”.
ويرى أنصار هذا التحليل، أنه بناء على هذا التفسير، فإن الفيل لم يكن اسمه “محمود” كما فهم ابن إسحاق ومن جاء من بعده من العلماء، وإنما كان المقصود بكلمة “محمود” هو الفعل ذاته.