بالرغم من أن لهم آثار ضخمة، ومنشآت عظيمة، كشفت ما كانوا يتمتعون به من قوة وسلطان، إلا أن هذه المنشآت، لم تحو جثامينهم أبدا، بالرغم من أنهم أعدوا في معظمها أضرحة فخمة، كان ينتظر أن تكون مثواهم الأخير!
يذكر لنا تاريخ مصر الإسلامية، 4 من الحكام، الذين كان لهم تأثير قوي ودور كبير في تطور الأحداث السياسية داخل مصر وخارجها، إلا أن نهاياتهم لم تكن بعظمة البدايات، حيث انتهوا في الغالب إما بالاختفاء التام ولم يعرف لهم مصير محدد، وإما بالوفاة في المعارك وعجز جنودهم من الوصول إلى جثامينهم لدفنها في المقابر التي تليق بهم.
وفي السطور التالية، نستعرض تاريخ نهايات هؤلاء الحكام الأربعة، ولماذا لم تضم المساجد الأثرية الكبيرة التي بنوها، جثامينهم؟
أحمد بن طولون
يعد مسجد أحمد بن طولون، في شارع الصليبة، بمثابة “شيخ مساجد مصر”، كونه أقدم مسجد لايزال قائما على الحالة التي بني عليها للمرة الأولى.
ويعتبر المسجد تحفة معمارية، وواحد من أكبر المساجد الأثرية في مصر من حيث المساحة، كما يضم مئذنة فريدة، لا تشبه أي من المآذن في مساجد مصر الإسلامية قاطبة.
وبالرغم من الاهتمام الكبير الذي أولاه ابن طولون لمسجده، إلا أنه لم يدفن به، ولم يخصص ضريح داخل المسجد لكي يضم أعظمه يوما ما، ولكن أين يرقد جثمان ابن طولون؟
تكشف لنا سيرة ابن طولون، أنه توجه في العام الأخير من حياته إلى الشام لقتال أحد قواده الذي حاول الاستيلاء على حكم “طرطوس”، وبعدما فشل في القضاء على تمرد هذا القائد، توجه ابن طولون إلى أنطاكية، وهناك أصيب بمرض في أحشائه نتيجة إكثاره من شرب لبن، يعتقد أنه كان ملوث، ونتيجة البرودة الشديدة في تلك الفترة من العام، اشتد المرض على ابن طولون، ولم يفلح الأطباء في علاجه، فعاد إلى الفسطاط وهو في النزع الأخير، وتوفي، ودفن في سفح جبل المقطم.
وهذا هو كل المعروف عن موضع دفن ابن طولون، أنه فقط دفن في سفح جبل المقطم، ولكن لا يعرف موضع محدد لمدفنه، ولا ضريح مشهور، وهو أمر غريب، بالنظر لقوة ابن طولون وقوة دولته في ذلك الوقت، التي كانت لا تزال في أوج مجدها.
إلا أن ابن طولون الذي كان أول من استقل بحكم مصر عن الدولة العباسية، ربما أوصى بإخفاء قبره، حتى لا تصل إليه أيادي بني العباس للانتقام منه!
الحاكم بأمر الله
الحاكم بأمر الله، هو ثالث الخلفاء الفاطميين الذين حكموا من مصر، بعد المعز لدين الله والعزيز بالله، حيث استكمل بناء مسجد والده الذي سمي باسمه “مسجد الحاكم بأمر الله” والملاصق حاليا لأسوار القاهرة الشمالية بالقرب من باب الفتوح.
وبالرغم من الاتساع الذي كان عليه المسجد، والمئذنتين المميزتين اللتين بنيتا على شكل منارة الإسكندرية، إلا أن المسجد لم يحو جثمان الحاكم، بعدما اختفى فجأة ولم يعرف مصيره.
ففي أواخر شهر شوال عام 410 هجريا، خرج الحاكم من قصره متوجها إلى جبل المقطم، ولكنه لم يعد أبدا، وكان عمره حينها 36 عاما، جلس خلالها على عرش مصر قرابة 25 سنة متواصلة.
وثارت العديد من التكهنات حول مصير الحاكم، فهناك من يرى أن شقيقته ست الملك تآمرت عليه وأرسلت خلفه من قتله وأخفى جثمانه بعدما تمادى الحاكم في الأفعال الشاذة والقرارات الغريبة التي كادت أن تؤثر سلبا على قوة ومتانة الخلافة الفاطمية في مصر، بينما يرى المقريزي أن من قتل الحاكم هم جماعة من “بني حسين” بصعيد مصر، بعدما اعتبروا أنه خرج على الإسلام بأفعاله الغريبة التي اعتاد إتيانها.
وفي كل الأحوال، لم يعثر للحاكم على جثمان، وظل اختفائه لغزا تاريخيا كبيرا، وهناك طائفة من الشيعة تعرف بـ”البهرة” تنتظر عودة الحاكم وتعتقد أنه دخل في سرداب وسوف يعود يوما ما ليطبق العدل في البلاد.
السلطان حسن
يعتبر السلطان حسن بن الناصر محمد بن قلاوون، واحدا من أشهر سلاطين دولة المماليك البحرية، وذلك ليس لدوره في التاريخ، بل بسبب مسجده الذي تركه، والذي يعد واحدا من أبرز وأهم آثار مصر الإسلامية.
تولى السلطان حسن السلطة على مرتين منفصلتين، نتيجة الاضطرابات الشديدة التي ضربت الدولة التي كانت في أسوأ مراحل ضعفها، خاصة وأنه تولى الحكم لأول مرة وهو لا يزال طفلا غير قادر على تسيير شؤون الدولة، كما شهدت البلاد العديد من الأزمات التي تسببت في الإطاحة به وسجنه عن طريق الأمراء الذين كانوا يعتبرون الحكام الحقيقيين للبلاد.
وعندما أعيد للسلطة مرة أخرى، كان قد بدأ في إنشاء مسجده الخالد، مسجد ومدرسة السلطان حسن، الذي يعتبر درة العمارة المملوكية في مصر، وواحدا من أجمل مساجد العالم.
إلا أنه لم يستمر طويلا في الحكم حتى يرى اكتمال مسجده، حيث تآمر عليه مملوكه الأمير يلبغا العمري، ونجح في القبض عليه وقتله، وإخفاء جثمانه، ولم يعثر المصريون على جثمان للسلطان حسن، ولم يدفن في الضريح الذي بناه في المسجد، بل دفن فيه بعد ذلك ولداه الشهاب أحمد وإسماعيل.
قانصوة الغوري
كان السلطان قانصوة الغوري، هو آخر سلاطين دولة المماليك، حيث بوفاته، ومن بعده ابن شقيقته طومان باي، بدأت دولة العثمانيين في مصر، عقب دخول السلطان سليم الأول إلى القاهرة في عام 1517م.
وبنى قانصوة الغوري، مجموعة منشآت ضخمة ومبهرة، لاتزال شاهدة على قوته وسلطانه في شارع الغورية، حيث تضم المجموعة مسجد ومدرسة وسبيل وكتاب وقبة ووكالة.
وبالرغم من أن القبة ضمت ضريح أعد خصيصا ليضم جثمان السلطان يوم وفاته، إلا أن ظروف وفاة السلطان الغوري حالت دون إتمام هذه الخطوة.
فقد توجه الغوري على رأس جيوشه إلى الشام، للقاء القوات العثمانية التي كانت قد بدأت في الاستيلاء على الأراضي المملوكية، حيث فضل الغوري التوجه للقائها خارج مصر حتى يكون لديه القدرة على التراجع وحماية القاهرة إذا ما تعرض للهزيمة.
إلا أن الغوري تعرض للخيانة التي كانت سببا في هزيمته الساحقة في موقعة مرج دابق، بعدما خانه أحد قواده ويدعى “خاير بك” الذي ساعد العثمانيين على الدخول عبر انسحابه من المعركة، وفي خضم الهزمة، سقط الغوري من على حصانه، ومات تحت أقدام الخيول، وترك جثمانه في العراء حتى نهشته الطيور الجارحة، ونسي تماما، ليختفي من التاريخ، بينما ظل ضريحه قائما شاهدا على أن سلطانا قويا مر من هنا ذات يوم!