من وقائع صحف الزمن الماضي وقبل ثورة 1952، كان هناك احتفاء خاص برصد عادات وتقاليد المصريين عموما، والقرويين بشكل خاص، إذ أفردت مطبوعات عدة صفحات وصفحات كوثيقة ورقية لا تموت -إضافة إلى كونها وثيقة إنسانية- لتأريخ هذه العادات لتكون عونا لدارسي “الأنثروبولوجيا” في تفنيد وتحقيق عادات الشعوب وتقاليدها.

من ضمن تلك العادات “أفراح القرية” في الأربعينيات، حيث حاولت إحدى المجلات توثيق ما كان يجري في إحدى الأفراح التي شهدتها القرية وقتذاك، وهو عرس لشاب اسمه “محمد” وفتاة تدعى “زهرة”، فتصف المجلة الفتاة بأنها جميلة حتى قبل اكتمال أنوثتها، بينما محمد فكان “يفك الخط بسهولة” ومستقيما وتقيا ويعرف تقاليد القرية وعوائدها المتوارثة.

كان يوم الفرح مشهودا في القرية كلها، حيث كان بيت زهرة ممتلئا بالقريبات والصديقات والجارات، واحتشد أمام البيت جمع كبير من الأطفال والأقارب، وامتلأت أسطح البيوت المجاورة بالنساء والفتيات.

لبست زهرة ملابس العرس ثم خرجت من بيتها تزفها قريباتها، وكان “الجمل” باركا بالهودج أمام باب بيتها فأعانها أبوها وإخوتها على ركوبه، في حين كانت أمها تنثر “الملح” في عيون الحاسدين.

موكب العروسة كان يضم الجمل التي تركبه بمفردها، وجمل آخر يحمل “الغازية” (الراقصة المطربة)، والتي ترقص جالسة على أنغام موسيقى الطبل والزمر المنبعثة من رجال يركبون إلى جوارها على الجمل.

الجمل الثالث كان يحمل “جهاز العروسة” بالكامل، وهو يتكون من سرير من النحاس الأصفر وصندوق مطلي بالألوان الزاهية يحتوي على ملابس العروسة ودولاب بـ”مراية” وأواني نحاسية وطبلية عشاء وبعض كراسي صغيرة وحصيرة!

ويمضى موكب العروسة ليخترق طرقات القرية حتى يصل بالفعل إلى منزل العريس “محمد” والذي احتشد أمامه أيضا جمع كبير من الرجال يتحلقون حول رجلين يحطبان بعصيهما، أما في الداخل فكان هناك شيخ يقرأ القرآن.

هبطت العروسة “زهرة” عن الجمل فاستقبلتها أم العريس وأخواته بترحاب شديد وأجلسوها وقريباتها في مجلس بالمنزل، في حين كان العريس وأبوه في مجلس آخر مع والد العروسة يعقدون القران مع المأذون، فلما انتهوا وزعوا “شربات الورد” على الحاضرين جميعا.

بعد الزغاريد و”الهيصة”، بدأ الجميع يتأهبون لتناول الطعام، فمدت “الطبالي” وحملت صنفين فقط وهما “الطبيخ، وأرز باللبن”، وما إن فرغ المدعوون من الطعام جاءت الغازية لترقص وتتمايل في حركات عريضة عنيفة أملا في جذب مزيد من “النقطة”.

طبال الغازية عندما كان يرى أحد المهمين في القرية كـ”العمدة أو شيخ البلد” كان يصرخ بالقول “شوووبش” حتى تكف الفرقة عن العزف وكذلك تكف الراقصة عن الرقص، ليعطي فرصة لأهل العريس للترحيب بالضيف الكبير.

و”شوبش” كلمة قبطية قديمة مأخوذة من كلمة هيروغليفية قديمة هي “شت”، بمعني “فرح وسعادة”، وامتدت إلى العصور الحديثة تحت مفهوم “اشهدوا ياحاضرين” أي أمّنوا على كلامي، وهي عموما تستخدم في الأفراح، ولكن درج استخدمها في أثناء الشجار بين النساء.

بعد ذلك يجتمع الرجال في خارج البيت مع “المسخراتي” وهو بمعنى أدق “منولوجيست” القرية، الذي يُضَحّك المدعوين بنكاته اللطيفة، حتى ساعات الليل المتأخرة.

من التقاليد الراسخة أيضا في أفراح القرية أن يودع العريس بنفسه ضيوفه بعبارات المجاملات المعتادة، ثم يذهب العريس إلى عروسته في النهاية.