حسين سري باشا هو لغز كبير في الحياة السياسية المصرية، ربما هو أكثر رؤساء الوزارة المصريين توليا لفترات مختلفة بعد مصطفى النحاس (سبع فترات)، حيث بلغت توليته للمنصب خمس مرات مختلفة، لكن الأكثر دهشة كون تلك الفترات الخمس قصيرة للغاية.

أول الألغاز في حياة الرجل هو تاريخ مولده، فمختلف عليه في المصادر التاريخية، حيث يقال إنه من مواليد 1894، أما مصادر أخرى فتؤكد أنه مواليد قبل ذلك بعامين أي 1892، أما والده هو إسماعيل سرى باشا ناظر الأشغال.

تخرج من المدرسة السعيدية سنة 1910 ونال دبلوم الهندسة من لندن 1915 وتخصص فى شئون الرى، بعد ذلك عُين مساعدا لمدير أعمال شئون الرى بوزارة الأشغال وتدرج فى مناصبها حتى أصبح وكيلا لهذه الوزارة، ثم عُين وزيرا لأول مرة في وزارة الأشغال سنة 1928 (وهو يبلغ من العمر 38 سنة على الأكثر).

تولى رئاسة الوزارة لأول مرة فى نوفمبر 1940، وتولى خلالها وزارتي الداخلية والخارجية. واستمرت هذه الوزارة وفقا للأعراف وقتها نحو سبعة أشهر، تلاها فترة أخرى استمرت نحو سبعة أشهر أخرى، وتولى فيها حقيبتي الداخلية والمالية.

في هذه الفترة كانت مصر في مأزق شديد، حيث كان عليها وفقا لضغط الاستعمار الإنجليزي أن تخوض الحرب العالمية الثانية، وأن تصد زحف الألمان لشمال أفريقيا.

ما بين عامي 1949 و1950 تولى سري باشا أيضا رئاسة الوزارء لفترتين قصيرتين للغاية، أولها خمسة أشهر، وفيها عاد إلى سيرته الأولى فتولى وزارتي الداخلية والخارجية، ويؤكد التاريخ السياسي لحسين سري إنه كان من السياسيين موضع ثقة الإنجليز فقد كان أيضا موضع ثقة القصر ثم إنه كان من الوجوه السياسية المقبولة في الوفد، ذلك لأنه لم يكن في أي وقت سياسيا حزبيا، إنما ظل على استقلاله طوال تاريخه، وعلى ذلك وقع الاختيار عليه لتشكيل الوزارة، وكانت تضم 4 وزراء من الوفديين و4 من السعديين و4 وزراء من الأحرار الدستوريين واثنين من الحزب الوطني و4 وزراء من المستقليين.

حافظ سري باشا على المناصب الثلاثة في الفترة الرابعة ولكنها لم تستمر سوى ثلاثة أشهر فقط، خرج فيها من الوزارة بعد فوز الوفد بانتصار ساحق في الانتخابات البرلمانية.

خروجه من الوزارة كان إلى الديوان الملكي حيث عُين رئيسا له في فترة كان الخلاف فيها شديدا بين القصر والوفد.

تولى حسين سري آخر فترة له في الوزارة في 2 يوليو 1952، حيث لم تدم وزارته تلك سوى عشرين يوما، حيث قدم استقالته قبل قيام ثورة يوليو بيوم واحد، حيث كان وقتها يشغل مناصب وزير الحربية والداخلية والخارجية.

في فترته الأخيرة حاول حسين سري باشا وأد حركة الضباط التي كانت مشتعلة للغاية، فقام بحل مجلس إدارة نادي ضباط الجيش الذي كان تم انتخابه برئاسة اللواء محمد نجيب، بسبب تدخل الملك، فاستقال اللواء نجيب، وحاول رئيس الوزراء معالجة الموقف بأن طلب من الملك تعيين محمد نجيب وزيراً للحربية.

رفض الملك فاروق طلب حسين سري باشا، أما فيما يتعلق بموقف محمد نجيب فلا ريب في أن رفضه لمنصب وزير الحربية جاء متسقا وسلامة التقدير فهو لن يكون بقادر على تنفيذ أي إصلاحات بالجيش أو إزالة عوامل التمر والسخط بين صفوفه طالما استمر الفريق حيدر رجل الملك يشغل منصب القائد العام للجيش وكبار قادته على ولائهم المطلق للقصر ثم أن مطالب الإصلاح التي استهدفها تنظيم الضباط الأحرار لم تكن مقصورة على الجيش فحسب بل امتدت لتشمل النواحي السياسية والاجتماعية الأخرى يضاف لذلك أن قبول نجيب للمنصب قد يمكن القصر من رصد نشاط التنظيم وكشف أعضائه مما يمهد له السبيل للقضاء عليه.

هذه الأزمة أدت في النهاية إلى أن تقدم حسين سري باستقالته الأخيرة من الوزارة، بعدما اشتهر في مختلف الصور التي كانت تلتقط له وتنشر في الصحافة بأنه كان يرفع البنطول حتى صدره بشكل غريب وغير معتاد، حتى أن رسامي الكاركاتير كانوا يجدون صوره مادة خصبة للربط بينها بين سياسات الرجل ووزارات المتعددة، ودارت الأيام، مات حسين باشا سري في 1960 في هدوء تام وبعيدا عن صخب السياسة والصحافة.