من أين جاء؟ وكيف وصل؟ لا أحد يعلم على وجه التحديد.. ولكن المؤكد أن قصة أول مصري يهاجر إلى أمريكا انتهت نهاية مأساوية بسبب محاولة زواجه من إحدى أميرات قبائل الهنود الحمر، وهي المحاولة التي انتهت سريعا بوفاة الاثنين قتلا.
القصة الغريبة كشف تفاصيلها كاتب أمريكي يدعى “J. G. Beers” في كتاب تاريخ “مقاطعة جرين” الصادر عام 1884، وهو الكتاب الذي تضمن أول ذكر لذلك المهاجر المصري الذي وصل أمريكا في القرن السابع عشر، عبر حكايات المستوطنين الهولنديين الأوائل ومستعمرتهم القديمة التي كانت تحمل اسم “نيو أمستردام” والتي تحولت فيما بعد إلى مدينة “نيويورك”.
“نور سر الدين”، هو اسم المهاجر المصري في الغالب، وهو النطق الأقرب للاسم الوارد في الكتاب، حيث قال المؤلف أن اسمه “Norsereddin”، لافتا إلى أنه عاش في مكان ما حول جبال كاترسكيل بنيويورك، والتي كانت قريبة من أرض قبيلة هندية لها قائد يدعى “شانداكين”، له ابنة وحيدة فائقة الجمال تدعى “لوتوانا”.
كانت “لوتوانا” بسبب جمالها مطمع للكثيرين من أبناء القبائل الأخرى من الهنود الحمر، إلا أن والدها حاول صد الجميع بإعلانه خطبة ابنته على زعيم شاب من قبائل “الموهوك”، وبالرغم من ذلك، لم تتوقف محاولات الكثيرين للتأثير على الفتاة والفوز بقلبها.
ويقول الكتاب أن “سر الدين” عندما شاهد تلك الأميرة، أسره جمالها الآخاذ، وحاول التقرب إليها، إلا أنه كان فقيرا وليس لديه أي شيء يؤهله لخوض سباق الفوز بقلب الأميرة، وبسبب مساعيه في التقرب إلى تلك الفتاة، أصبح محط سخرية من عرفوه من المستوطنين الهولنديين، الذين تحداه أحدهم بأن يدفع له ألف قطعة ذهبية إن استطاع كسب قلب الأميرة، وهو تحدي يكشف عن إيمانهم بضعف فرص “سر الدين”، وهو ما أثار غضبه وجرح كبرياءه وجعل مسألة زواجه من الأميرة مسألة شرف يرد بها على من استهزأوا به.
وبالفعل، بدأ يبحث “سر الدين” عن وسيلة تقربه إلى الفتاة، وعندما قوبلت كل محاولاته بالرفض من قبلها، قرر تغيير بوصلته والتوجه إلى والدها، وبطريقة ما، استطاع أن يقضي قرابة 6 أشهر بصحبة “شانداكين” والد الفتاة في رحلة صيد طويلة، وحاول خلال تلك المدة التأثير على الرجل وإقناعه بأنه شاب ذو أخلاق نبيلة يستحق قلب ابنته.
وبعدما يئس من كل محاولاته غير المباشرة للتأثير على الأميرة، قرر أن يطلبها بشكل صريح من والدها، إلا أنه رفض بحجة أن ابنته مخطوبة بالفعل لأمير من قبيلة “الموهوك”، ولو لم يلتزم بهذه الخطبة ستصيبه اللعنة.
وبالرغم من أن رد رئيس القبيلة على طلب “سر الدين” كان مهذبا، إلا أن الشاب المصري شعر بإهانة كبيرة وتهجم على والد الفتاة، بل وحاول الاعتداء عليه، إلا أن “شانداكين” الذي كان رجلا حكيما، لم يبادله نفس الغضب، وأمر رجاله أن يخرجوه من المخيم دون التعرض له، وبالرغم من ذلك خرج “سر الدين” وهو يتوعد بالانتقام.
وصل الغضب بـ”سر الدين” أن قرر قتل الأميرة انتقاما من رد والدها، فقام بمساعدة أحد الخدم بالحصول ناب ثعبان مسموم، وربطه في قطعة حبل ولف به صندوق صغير أشبه بصندوق الهدايا، بحيث إذا حاول أحد فتح الصندوق يلتف الحبل على يده ويخدشه بالناب المسموم، الذي أضاف له “سر الدين” بعض السموم الإضافية للتأكد من إنجازه لمهمته.
وقبل زواج الأميرة “لوتوانا” بيوم واحد، توجه “سر الدين” إلى أبيها “شانداكين”، زاعما أنه جاء طلبا للصلح ونسيان الماضي وإنهاء العداوة معتذرا عما بدر منه تجاه الزعيم،، فقابل “شانداكين” موقف المصري بالترحاب معبرا عن سعادته وعن موافقته على فتح صفحة جديدة وإعادة الصداقة بينهما، ثم قدم “سر الدين” الصندوق إلى الأميرة كدليل على الصداقة ونسيانه ما كان منها، فقبلته وهي لا تعلم ما ينتظرها داخله.
وبعدما غادر “سر الدين” أرض القبيلة، قامت الأميرة بفتح الصندوق لمشاهدة الهدية، فجرحها ناب الثعبان القاتل، ليسري في جسدها السم، وبرغم محاولة والدها التدخل لإنقاذها، لإن أن كل ذلك لم يفلح حيث لفظت أنفاسها خلال دقائق بين يدي أبيها.
وعلى الفور، أمر الأب رجاله بالاندفاع خلف “سر الدين” وإحضاره حيا، فانطلق 20 محاربا أشداء من القبيلة يسعون خلف الشاب المصري، وبعد مطاردة طويلة، انزلق حصان “سر الدين” فهجم عليه المحاربون وقيدوه وحملوه إلى “شانداكين”، وهناك وجد “سر الدين” كومة ضخمة من الخشب المشتعل في انتظاره، فعلم أن مصيره ستكون الحرق حيا.
وبالفعل، جلس “شانداكين” يشاهد قاتل ابنته ويستم لصرخاته التي انطلقت من وسط النيران وهي تأكل جسده، وسط هتافات وصيحات أبناء القبيلة الغاضبين، وفي اليوم التالي تم دفن الأميرة لوتوانا، بينما طارت رفات “سر الدين” مع الرياح، وخرج “شانداكين” إلى قلب الغابة، ولم يعد أبدا.
المصدر: the History of Greene County By J. G. Beers, published in 1884