يعد التليفون، واحد من أبرز الاختراعات التي هزت المجتمعات العالمية عند ظهورها وأثرت فيها، بل إن تأثيره والدهشة التي يولدها لازالت مستمرة حتى الآن مع تطور أشكال الهاتف والخدمات المرتبطة به في ظل التقدم التكنولوجي غير المسبوق.

أعلن عن اختراع التليفون رسميا في عام 1876، وظل العالم يعتقد لسنوات أن مخترع الهاتف هو الإنجليزي ألكسندر جرهام بيل، إلى أن أعلن الكونجرس الأمريكي قبل أعوام اعترافه رسميا بأن المخترع الإيطالي أنطونيو ميوتشي هو المخترع الحقيقي للهاتف وذلك بعد ما يزيد على مائة عام من وفاة ميوتشي.

وفور الإعلان عن الاختراع الجديد، أثيرت ضجة كبيرة وملأ الحماس الناس في جميع أنحاء العالم للتعرف على هذا الاختراع الذي ينقل أصواتهم إلى بلدان أخرى وكأنه سحر أو شيء من عمل الشيطان.

وكان من أغرب الأشياء التي اتخذتها شركة (AT & T) والتي تعد أول شركة منتجة للهواتف في الولايات المتحدة، هي أن حظرت استخدام الهواتف في المنزل، وقصرته استخدامه على أماكن العمل، وحرصت على مطالبة المستخدمين بعدم إقحام الهاتف في حياتهم الشخصية وقصره على الأعمال التجارية والمهنية، مؤكدة أنه اختراع لا يناسب المكالمات الترفيهية بين الأشخاص العاديين.

وروجت الشركة لذلك عدة أسباب، وإن كان دافعها في ذلك الوقت مجهولا، وبعد أن اقتنع المستهلكون أنه لا يجوز استخدام الهاتف في المنزل، وفي ظل هذه التحذيرات بدأت تنتشر بعض الشائعات حول حقيقة الاختراع الجديد وحقيقة الأسباب التي دفعت الشركة لتحذير الناس من استخدامه في المنزل.

وبعد فترة، اكتشفت شركة (AT & T) أنها ارتكبت خطأ فادحا، حيث أن موقفها هذا تسبب في عدم انتشار الهاتف بالشكل المطلوب، لذا عادت وغيرت من توجهها الإعلاني، وبدأت في محاولة إقناع الناس باستخدام الهاتف في المنزل وإدخاله إلى بيوتهم مؤكدة أنه اختراع آمن.

وبالرغم من نجاح الشركة في إقناع الناس بإدخال الهاتف إلى منازلهم، إلا أن انتشاره في البيوت لم يكن سريعا، حيث كان يخشى المستهلكون من أن يؤثر الاختراع الجديد على عاداتهم المجتمعية وتقاليدهم التي كانت تحظى بتقدير كبير في ذلك الوقت، فيما خشي آخرون من أن يكون استخدام الهاتف سببا في توتر علاقاتهم الاجتماعية لأنهم قد يدفعهم للتكاسل عن تبادل الزيارات ويكتفون بالاتصال ببعضهم البعض عبر الهاتف.

وحتى بعد انتشار الهاتف في المنازل الأمريكية، ظلت هناك مجموعة من القواعد الصارمة التي تصاحب عملية الاستخدام، فقد كان ممنوعا أن تدعو أحد لزيارتك عبر الهاتف، حيث يعتبر ذلك إهانة وتقليل من شأن الشخص المدعو، كما كان يعتبر شيئا غير لائق أن تتحدث في الهاتف وأنت مستلق على الفراش!

وبالرغم من المخاوف الاجتماعية، كانت هناك مخاول أخرى مرتبطة بالاختراع الجديد تتعلق بالخصوصية.

فقبل انتشار الهاتف في المنازل، كان المستهلكون يتوجهون إلى كابينات الهواتف العامة أو المتاجر لإجراء الاتصالات الضرورية، وهو ما كان يتيح للمارة سماع الشخص الذي يتحدث في الهاتف ومعرفة أسراره وتفاصيل حياته الشخصية التي قد يسردها للشخص المتصل به.

وحتى بعد أن أدخل الكثير من الناس الهواتف في منازلهم، ظلت الخصوصية مهددة في البداية، حيث كان يمكن لمشغلي الخدمة الاستماع إلى مكالمات المشتركين بسهولة! أيضا كان يمكن لجيرانك الاستماع إلى مكالماتك، حيث كان الجيران يتشاركون في خط الهاتف كما نفعل الآن في خطوط الإنترنت.

ومع الوقت، وتطور الوسائل والتقنيات المرتبطة بالهاتف تطورت استخداماته وتبددت مخاوف المستهلكين حياله، واكتشفوا مدى أهميته في حياتهم التي بات البعض لا يتصورها بدون الهاتف.