يعرف التاريخ كثيرا من قصص الحكام والسلاطين والملوك الذين جلسوا على كراسي الحكم لسنوات طويلة، وهو الأمر المعتاد، حيث كان لا يترك الحاكم سدة الحكم إلا بالوفاة أو الخلع.
وبالرغم من ذلك، سجل التاريخ العديد من اللحظات الفارقة التي شهدت صعود وهبوط سريع لبعض الحكام، بشكل لافت استحق أن يسجل على أنه وقائع لا تتكرر كثيرا.
ومن بين هذه الوقائع، بعض الحكام الذين لم يجلسوا في السلطة أكثر من يوم واحد فقط، بل وصل الأمر ببعضهم أن فترة حكمه لم تزد عن ساعة واحدة، حتى أن أحدهم قضى فترة حكمه نائما من شدة قصرها.
وفيما يلي مجموعة من الحكام والخلفاء والسلاطين الذين لم يتمكنوا من البقاء في السلطة أزيد من 24 ساعة:
1- الخليفة المرتضي بالله
كان عبدالله بن المعتز أديبا وشاعرا، وعندما تولى الخلافة لقب بـ”المرتضي بالله”، إلا أن لقبه هذا غير مشهور، كونه لم يجلس في الخلافة سوى يوما واحدا.
كان من المفترض أن يتولى الخلافة في أيامه، الخليفة المقتدر العباسي، إلا أن أمراء الخلافة استصغروه وقرروا خلعه، واختاروا بدلا منه ابن المعتز، ولقبوه بـ”المترضي بالله”، وبايعوه بالخلافة.
إلا أن المقتدر رغم صغر سنه لم يستسلم وأطلق غلمانه على الخليفة الجديد، حيث قاموا بإلقاء القبض عليه وتقييده وهو في قصره، ثم دخل عليه المقتدر وأمر بقتله خنقا، ومات قبل أن يمر عليه يوما في الخلافة عام 296هـ، ولقد رثاه الكثير من شعراء العرب.
2- أحمد باشا الجزار
كان من رجال علي بك الكبير الذي حكم مصر بين عامي 1768 و1773، وقد تقلب بالجزار بسبب بشاعة الجرائم التي كان يرتكبها ضد خصومه خاصة من البدو.
استطاع تكوين جيش صغير خاص به من المرتزقة من المغرب وتونس والجزائر والألبان والبوسنيين، واستطاع الاستيلاء على عدد من الأراضي الخاضعة تحت الحكم العثماني بصفته ممثلا عنها.
بعد خروج الحملة الفرنسية من مصر، كان الجزائر يسيطر على أجزاء كبيرة من الشام ولبنان وفلسطين ولكن بشكل غير رسمي ودون اعتراف كامل من السلطان العثماني.
وعندما قرر السلطان تعيينه واليا على مصر، أرسل إليه فرمان التعيين إلا أنه قتل في نفس اليوم الذي تسلم فيه الفرمان.
3- الرئيس الأمريكي النائم
في الساعة الثانية عشر ظهرا من يوم 4 مارس عام 1849 كان من المفترض أن تنتهي ولاية الرئيس الأمريكي يجمس بولك، ويتولى بدلا منه الرئيس المنتخب الجديد زاكاي تايلور، ولكن كانت هناك مشكلة دستورية تحول دون ذلك، وهو أن ذلك اليوم صادف يوم أحد، أي عطلة رسمية.
وعندما حاول رجال الدولة إقناع الرئيس الجديد بحلف اليمين داخل المكتب أمامهم وعدم إقامة المراسم رفض وأصر على أن يقول القسم أمام الأمريكيين بشكل علني يوم الاثنين، ومعنى ذلك أن أمريكا كانت ستقضي 24 ساعة بدون رئيس.
وحلا لهذه المشكلة، تقرر اختيار رئيس مجلس الشيوخ في ذلك الوقت، ديفيد رايس، ليتولى رئاسة أمريكا لمدة يوم واحد ليسد الفجوة بين الرئيسين.
وبعدما مرت هذه الأزمة، أجرت إحدى الصحف لقاءا مع رايس وسألته عما فعله في ذلك اليوم، فأخبرها أنه قضى معظمه في النوم بعد عدة أيام من العمل الشاق، لذا أطلق عليه “الرئيس النائم”.
4- لويس التاسع عشر
في عام 1830 كان يحكم فرنسا الملك شارل العاشر، ونتيجة سياساته الجائرة اندلعت ثورة يوليو الشهيرة، حتى أن الجماهير توجهت إلى قصر الملك لمطالبته بالتنازل عن العرش.
وفي يوم 2 أغسطس 1830 تنازل الملك شارل العاشر مضطرا عن الحكم لنجله لويس أنطوان -والذي سيلقب باسم لويس التاسع عشر- إلا أن الجماهير لم تقتنع بهذا التنازل، وأصرت على أن يخرج الحكم من آل شارل.
وقضى لويس أنطوان 20 دقيقة بعدما تسلم الحكم من والده وهو يفكر فيما يجب عليه فعله، وكانت زوجته تتوسل إليه ألا يتنازل هو الآخر فيما كان يجلس والده الملك السابق إلى جواره يبكي، وفي النهاية استسلم الملك الجديد وتنازل بدوره عن العرش لابن أخيه دوق بوردو، ليكون قد قضى في السلطة 20 دقيقة فقط قبل أن يتوجه إلى منفاه في اسكتلندا.
5- لويس فيليب
كان لويس فيليب هو الابن البكر وولي العهد لملك البرتغال كارلوس الأول الذي حكم البرتغال في نهايات القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين.
في 1 فبراير 1908، تعرضت العائلة الملكية البرتغالية إلى محاولة اغتيال جماعية، بواسطة اثنين من أعضاء إحدى الحركات الثورية، حيث أطلقا النار على العائلة بأكملها.
ونتيجة هذا الاعتداء توفي الملك كارلوس الأول على الفور، بينما أصيب لويس فيليب وشقيقه مانويل، وبعد 20 دقيقة ظل ينزف فيها لويس، لفظ أنفاسه ليلحق بأبيه، في حين عاش شقيقه الأصغر مانويل بالرغم من إصابته بشكل بالغ حتى أنه فقد ذراعه في الهجوم.
ويعتبر كثير من المؤرخين أن لويس فيليب كان بمثابة ملكا على البرتغال خلال العشرين دقيقة التي فصلت بين وفاة أبيه وبين وفاته، حيث أنه كان ولي العهد في ذلك الوقت، ووفاة أبيه تعني انتقال السلطة إليه تلقائيا، إلا أنه لم يتمكن من ممارسة مهامه.
6- لاسكوراين
في عام 1913، تعرض الرئيس المكسيكي فرانشيسكو ماديرو لانقلاب على حكمه من قبل أحد جنرالاته ويدعى “هويرتا”، وكان وزير الخارجية في تلك الفترة هو بيدرو لاسكوراين، وكان متواطئا مع هويرتا ويسعى للإطاحة بالرئيس الشرعي.
وبعدما تنازل ماديرو عن الحكم، كان يجب أن يتولى الرئاسة في حالة فراغ المنصب، بحسب الدستور المكسيكي، بالترتيب إما نائب الرئيس أو المدعي العام أو وزير الخارجية أو أخيرا وزير الداخلية.
ولكي يتفادى هويرتا هذه النقطة، قام بعزل نائب الرئيس لأنه لم يكن يؤيد الانقلاب، وكذلك المدعي العام، ولم يتبق إلا وزير الخارجية لاسكوراين، الذي تولى الرئاسة مؤقتا ولمدة 45 دقيقة فقط، ليصبح بذلك الرئيس الرابع والثلاثون للمكسيك، حيث قام خلال تلك الدقائق بتعيين هويرتا وزيرا للداخلية ثم استقال لاسكوراين من منصبه، وبذلك أصبح هويرتا رئيسا للمكسيك طبقا للدستور!
7- زكريا محيي الدين
عقب هزيمة عام 1967 واجتياح جنود الاحتلال الإسرائيل للأراضي العربية، تقدم الرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر باستقالته بعدما أعلن مسؤوليته عن الهزيمة.
وفي نهاية خطاب التنحي الشهير الذي أذيع عبر التلفزيون، أعلن عبدالناصر أنه كلف زكريا محيي الدين بتولى منصب رئيس الجمهورية.
كان محيي الدين معروف للجماهير المصرية، فقد كان من الضباط الأحرار، وتولى العديد من المناصب الحساسة والهامة في الدولة عقب ثورة يوليو 1952، ومن بين هذه المناصب رئاسة المخابرات ورئاسة الوزراء ونائب لرئيس الجمهورية ووزير للداخلية، إلا أن كل ذلك لم يصمد أمام شعبية عبدالناصر الطاغية ومكانته في نفوس الجماهير.
ففي ليلة 9 يونيو 1967، خرجت الجماهير في كل شوارع مصر تهتف بحياة عبد الناصر وتطالبه بالرجوع في قراره، وكانت تهتف مخاطبة زكريا محيي الدين مرددة “ارفض ارفض يا زكريا.. عبدالناصر مية المية”.
وبعدما قضى زكريا محيي الدين قرابة يوم ونصف في رئاسة الجمهورية، قرر عبدالناصر الاستجابة لمطالب الجماهير والتراجع عن استقالته، وكانت المفاجأة أن محيي الدين رفض قبول المنصب من البداية وسجل بيانا بصوته أعلن فيه رفضه قبول منصب رئيس الجمهورية.
كلفه جمال عبد الناصر بمباشرة الحكم في خطاب التنحي، لكنه استقال من منصبه نتيجة مظاهرات شعبية نادت بعودة عبد الناصر مجدداً.