بين الحين والآخر، تثير العديد من القبور التاريخية الكثير من الجدل حول صحتها، ومن بين هذه القبور التي لاتزال تدفع الباحثين حتى الآن إلى جدل لا ينتهي، المقبرة التي تضم رفات السيدة “حواء” أم البشر، والتي يعتقد بعض المؤرخين والباحثين أنها موجودة في شبه الجزيرة العربية، وبالتحديد في مدينة جدة السعودية العتيقة المطلة على البحر الأحمر، وهو ما دفع أهل جدة قديما لإطلاق هذا الاسم عليها في إشارة واضحة لاستضافتها قبر “جدّة” البشرية حواء.
وهناك خلاف كبير بين المتخصصين حول المكان الذي دفن فيه آدم وحواء، كما أن هذا الجدل طال أيضا مكان نزولهما من الجنة إلى الأرض، وتشير أغلب المصادر التاريخية إلى أن آدم هبط بالهند بينما هبطت حواء بجدة، والتقيا على للمرة الأولى على جبل عرفات.
وبالرغم من أن اتجاه عدد كبير من الباحثين إلى القول بأن حواء عاشت يوما في جدة، إلا أنهم يختلفون فيما إذا كانت دفنت المنطقة ذاتها أم لا، ويستند أصحاب الرأي القائل بأن حواء دفنت بجدة وبالتحديد في المقبرة الموجودة في حي العمارية، إلى وجود هيكل -معبد- قديم كانت قبيلة قضاعة العربية في الحجاز تتعبد فيه قبل الإسلام، وأن هذا الهيكل كان يضم رفات حواء.
وفي القرن السادس الهجري خلال زيارة ابن جبير الأندلسي لمدينة جدة، ذكر أنه رأى بها موضعًا فيه قبة مشيّدة قديمة قال إنه كان منزلاً لحواء، كما أشار الرحالة الشهير ابن بطوطة إلى وجود القبة خلال رحلته إلى جدة في القرن السابع الهجري. وفي عام 1082 هجرية، وصف الرحالة التركي أوليا جلبي، في رحلته للحجاز، قبر حواء بقوله إنه أشبه بقبة صغيرة تكسو موضع القبر.
ويتجه معظم من تناولوا مسألة وجود حواء في جدة من عدمه، إلى أن الموضع الذي يعتقد أن حواء دفنت فيه، هو موضع سكنته يوما وهو الأكيد، أما إذا كانت دفنت فيه أم لا فهو أمر لا يمكن القطع به.
وحاليًا لم يعد هناك أي قباب في مقبرة حي العمارية بجدة، فكل القبور متشابهة ولم يعد هناك أي دليل يشير إلى وجود قبر حوّاء في تلك المقبرة التاريخية.
ويؤكد الكاتب السعودي المعاصر محمد صادق دياب مؤلف كتاب “جدة: تاريخها وحياتها الاجتماعية”، أنه ليس هناك دليل حقيقي يؤكد وجود القبر في مقبرة حوّاء بمدينة جدة، معتقدً أن الأمر مجرد “خرافة”.
وذكر ويليام ديفر، أستاذ ثقافات الشرق الأدنى في جامعة أريزونا، وهو أحد أبرز علماء الآثار الأمريكيين، أن ليس هناك أي دليل أثري أو علمي يمكن أن يدعم بقوة قصة قبر حواء.
في المقابل، أقام مؤخرًا الدكتور “عبد الله يونس” أستاذ التاريخ القديم بالسعودية دراسة تاريخية، كشف عن نتائجها في 2015، زعم فيها أنه توصل إلى أن قبر حواء أم البشرية في مدينة جدة، وبالضبط بمنطقة طريق الساحل القريبة من ساحل البحر الأحمر.
ولسنوات عدة، كان سكان شبه الجزيرة العربية يتوجهون إلى موضع مقبرة حي العمارية في جدة للتبرك بتراب قبر حواء، كما كان يحرص الكثير من الحجاج والمعتمرين على التوجه إلى جدة لزيارة القبر، قبل أن تهدم القبة وتمنع السلطات السعودية مثل هذه المظاهر عند القبر.