على خلاف كثير من المهندسين المعمارين الذين مروا على مصر وانبهروا بكنوزها المعمارية التي جمعتها على مر العصور المختلفة، يظل المهندس الإيطالي ماريو روسي، شخصية بارزة يجب التوقف عندها كثيرا وتأملها، خاصة وأنه يعد مؤسس فن العمارة الإسلامية الحديثة.
فقد اندمج روسي في المجتمع المصري بكامل وعيه، ولم يكتف فقط بتذوق عناصر الجمال فيه، بل يمكن أن نقول أنه خلع عن نفسه ذكريات الماضي في أوروبا، وبدأ المهندس الشاب يتحول تدريجيا إلى مواطن مصري مسلم أصيل يعشق العمارة الإسلامية ويسعى لتطويرها وإحيائها من جديد.
ولد روسي في روما عام 1897، وبعدما تخرج من مدرسة الفنون الجميلة، قدم إلى مصر ولم يتجاوز العشرين من عمره، ضمن مجموعة من المهندسين الأوربيين الذين استقدمهم الملك فؤاد الأول للعمل في وزارة الأشغال والإشراف على القصور الملكية.
وفور وصوله إلى مصر، انبهر روسي بجمال العمارة الإسلامية وبدأ في دراسة عناصرها بتمعن واكتشاف أساليب صناعة الزخارف المميزة للمساجد والمباني الدينية، ويقال إنه كان شديد الإجاب بفن العمارة المملوكية بالتحديد.
ولأنه كان يدرس العمارة الإسلامية عن حب وعشق وليس لمجرد كسب الرزق، فسرعان ما تميز فيها وانهالت عليه الطلبات الرسمية لوضع تصاميم العديد من المساجد التي أصبحت الآن من كنوز العمارة الإسلامية الحديثة.
ومن أهم المباني التي قام بتصميمها، مسجد المرسي أبي العباس بالإسكندرية، الذي بدأ في بناءه عام 1933 وأقيمت فيه أول صلاة عام 1945، حيث اختار له شكلا متعدد الأضلاع شبيه بمسجد قبة الصخرة، ومزج فيه بين العديد من عناصر العمارة الإسلامية الفريدة، حتى أصبح نموذجا لفن العمارة الحديثة الذي يتعلم منه المهندسون المعماريون حتى الآن.
كما قام بتشييد بسجد القائد إبراهيم بمحطة الرمل في الإسكندرية، وهو من المباني الإسلامية النادرة التي مزجت بين تقاليد العمارة المملوكية وبعض العناصر الشهيرة في العمارة الأندلسية.
ونتيجة لنبوغه في العمارة الإسلامية، طلب من ماريو روسي المشاركة في استكمال تشييد مسجد الرفاعي بميدان القلعة، والذي توقفت عملية بناءه عدة سنوات، واستطاعت اللمسات التي وضعها روسي في هذا المسجد أن تساعده على أن ينافس مسجد السلطان حسن المقابل له في الضخامة والأبهة.
ومن المساجد الشهيرة التي شيدها روسي في القاهرة، مسجد عمر مكرم الواقع بميدان التحرير، والذي يعد أحد رموز القاهرة الحديثة، بالإضافة إلى مسجد الزمالك والذي بناه على طريقة المساجد المعلقة.
وبعدما انتهى من بناء مسجد المرسي أبي العباس، درة أعماله المعمارية، كان المهندس الإيطالي ماريو روسي قد تشبع بالثقافة المصرية الإسلامية، وبدأ يشعر أنه واحدا من سكان هذا المكان النادر، فأعلن إسلامه عام 1946 من داخل مسجد المرسي أبي العباس، وبعد سنوات طوال، شاءت الأقدار أن يتوفى أثناء زيارته للأراضي الحجازية ويدفن هناك.
وظلت أسرة ماريو روسي وأحفاد يقيمون في القاهرة حتى وقت قريب، بالرغم من عدم تمكنهم من الحصول على الجنسية المصرية رغم مرور قرابة مائة عام على وصول جدهم المهندس الشهير إلى الأراضي المصرية واعتناقه الإسلام.