للجبال العديد من القصص التاريخية التي ارتبطت بأحداث وشخصيات ظلت محفورة في ذاكرة الشعوب، خاصة تلك المتعلقة بأحداث دينية، ومن بين هذه الجبال جبل “قاسيون” في سوريا الذي ترجح بعض النظريات أنه شهد أول جريمة قتل في تاريخ البشرية، عندما بسط قابيل يده لقتل أخيه هابيل.
وبالرغم من عدم وجود دليل مادي أو تاريخي قاطع يمكن الاستناد إليه في هذه النظريات، إلا أن أهالي المنطقة الواقع فيها جبل قاسيون شمالي العاصمة السورية دمشق، يؤمنون بهذه النظرية بشكل عميق، استنادا إلى وجود مغارة بالجبل يطلقون عليها “مغارة الدم” يوجد في إحدى زواياها فتحة على شكل فم كبير وفي سقف المغارة شق صغير يرشح منه الماء على هيئة دموع ولا أحد يعرف ما هو مصدر هذا الماء.
ومن الأساطير التي تروى عن تكون هذه فتحة وقطرات الماء التي لازالت تتساقط من منبع غير معلوم حتى الآن منذ آلاف السنين، أن الجبل شهق وبكى من هول الجريمة التي ارتكبها قابيل، وبقيت دموعه تتقاطر حتى يومنا هذا، وانشق الجبل يريد أن يبتلع قابيل ويطبق عليه، إلا أن قابيل تمكن من الفرار، تاركا معالم لأصابع يديه واضحة على الجبل بحسب القصة المرواة.
وتظهر في المغارة تفاصيل الفم بدقة من حيث وجود اللسان والأضراس، وفي المغارة أيضًا قطعة صخر يختلف لون حجارتها عن باقي حجارة الجبل، تميل إلى اللون الوردي، قيل أن لونها تغير بسبب آثار دم هابيل التي انسكبت على الصخرة، ويقال أن أم البشر حواء أقامت في هذه المغارة لفترة بعد أن قُتل ابنها هابيل حزنا عليه.
ولذلك قيل أيضًا إن سبب تسمية العاصمة دمشق بهذا الاسم يرجع إلى تلك الجريمة وواقعة شق الجبل لما سال دم هابيل، فكلمة دمشق تتكون من شقين”دم” و”شق”، وذلك في إشارة إلى الدم الذي سال، والشق الذى حدث فى الجبل.
وقد وثق لنا عدد من الرحالة ممن زاروا دمشق في القرون الماضية مشاهدتهم لمغارة الدم، من بينهم أبو حامد الغرناطي الذي وصف المكان في زيارته لدمشق عام 1160م فيقول: “لما دخلت دمشق رأيت عند باب يعرف بباب الفراديس جبلاً مشرفاً عالياً، وعليه آثار دم هابيل بن آدم عليه السلام ظاهراً، وهو دم كثير لا يخفى على من يراه أنه دم”.
بينما يصف ابن جبير الأندلسي المغارة خلال زيارته لها عام 1183م فيقول: “بجبل قاسيون لجهة الغرب، على مقدار ميل أو أزيد من المولد المبارك، مغارة تعرف بمغارة الدم، لأن فوقها في الجبل دم هابيل قتيل أخيه قابيل ابني آدم، عليه السلام، يتصل من نحو نصفي الجبل إلى المغارة، وقد أبقى الله منه في الجبال آثاراً حمراً في الحجارة تحك فتستحيل، وهي كالطريق في الجبل، وتنقطع عند المغارة، وليس يوجد في النصف الأعلى من المغارة آثار تشبهها، فكان يقال: إنها لون حجارة الجبل، وإنما هي من الموضع الذي جر منه القاتل أخاه حيث قتله حتى انتهى إلى المغارة، وهي من آيات الله تعالى”.
أما الرحالة ابن بطوطة المغربي وصفها خلال زيارته لدمشق عام 1324م، أن “مغارة الدم وفوقها بالجبل دم هابيل ابن آدم عليه السلام، وقد أبقى الله منه في الحجارة أثراً محمراً، وهو الموضع الذي قتله أخوه به واجتره إلى المغارة وعليها مسجد متقن البناء يصعد إليه على درج”.