كان وسيظل الهرم الأكبر بمنطقة الجيزة، واحدا من الألغاز الكبيرة في تاريخ البشرية، وذلك بسبب الغموض الذي يكتنف تاريخه في ظل قلة المعلومات الموثوقة المعروفة عنه، حيث لا يعرف أحد يقينا كيفية بناء الهرم حتى الآن.
وعلى مدار سنوات طوال، كان هذا الغموض جاذبا للعديد من الجماعات الغريبة أصحاب المعتقادات الغامضة، وهو ما شكل هوسا لدى البعض بإقامة الطقوس والاحتفالات داخل وبجوار الهرم الأكبر، في أوقات محددة، إما تعبدا لآلهة مجهولة أو طلبا للطاقة والقوى الخارقة أو نشرا لأفكار مريبة.
واعتاد الكثيرون الربط بين هذه الجماعات وبين اليهود، ومزاعمهم الدائمة في أنهم شاركوا في بناء الأهرام، ومحاولاتهم المستمية في نفي علاقة المصريين ببناء الهرم الأكبر، حتى أنهم يفضلون نسبة بناء الهرم إلى الكائنات الفضائية على الاعتراف بعظمة المصريين! وهو ما حدث قبل أيام بالفعل في تقرير وثائقي مضلل بثه تلفزيون الاحتلال الإسرائيلي.
ونسرد في هذا التقرير، تفاصيل واقعة حدثت قبل 7 سنوات من الآن، كادت أن تحدث أزمة كبرى في مصر، بسبب إصرار بعض الجماعات على إقامة احتفال طقسي ديني غامض عند الهرم الأكبر، وبالتحديد يوم 11 نوفمبر 2011، قيل أنه محاولة لتهويد الهرم.
دعوة على الإنترنت
بدأت القصة في أكتوبر 2011، عندما فوجئ رواد مواقع التواصل الاجتماعي في مصر، بموقع غريب باللغة الإنجليزية دشن حديثا، حمل عنوان (11-11)، تضمن صورة لدعوة للمشاركة في حفل طقسي سوف يقام حول الهرم الأكبر، ورسمت على الدعوة صورة هرم يخرج من أعلى قمته طاقة نور!
الصورة والدعوة الغامضة أثارا شكوك الكثيرين، الذين بدأوا في البحث حول الأمر، قبل أن تتلقف الصحافة هذا الخيط، وتبدأ رحلتها لكشف حقيقته.
وما هي إلا أيام معدودة حتى نشرت صحيفة “اليوم السابع” مفاجأة كشفت تفاصيل ما يحدث، حيث نشرت موافقة المجلس الأعلى للآثار المصرية، والذي كان يرأسه حينها الدكتور مصطفى أمين، على إقامة حفل حول الهرم الأكبر مساء يوم 11 نوفمبر 2011، يشارك فيه قرابة 1200 شخص، سيقومون بتنظيم طقس غريب، يتمثل في الالتفاف حول الهرم وتشكيل دائرة بأجساد المشاركين وإشعال الشموع بداخلها.
وكانت هذه المعلومة كافية لإشعال مواقع التواصل الاجتماعي ضد الحفل، حيث أكد مستخدمو مواقع التواصل أن من سيشاركون في الحفل هم أفراد تابعين لجماعات يهودية وماسونية، وأن احتفالهم لن يقتصر على الطقوس المعلنة فحسب، بل سيشمل وضع “هريم” صغير من الذهب على شكل نجمة داوود أعلى قمة الهرم، مؤكدين أن المشاركين من إحدى الجماعات التي تتعبد إلى الهرم وتؤمن بوجود قوى خارقة له… فما قصة هذه الجماعة؟!
الجذور التاريخية
كانت بداية ظهور الجماعات التي ارتبطت طقوسها بالهرم الأكبر في مطلع القرن الماضي، حيث يقول الدكتور عبدالحليم نور الدين، في تصريحات سابقة له، إنه في عام 1931 اجتماع أعضاء الحركة الماسونية على اعتبار أنهم “البناؤون الأحرار”، مع نظرائهم في الحركة الصهيونية باعتبارهم “البناؤون القدامى”، واتفقوا فيما بينهم على أن اليهود هم بناة الهرم الأكبر، وأنهم سيعودون حتما إلى هذا الهرم، عندما تستقر النجمة الذهبية أعلى هذا الهرم.
ومنذ ذلك التاريخ، تحاول هذه الجماعات إقامة الطقوس والشعائر حول وداخل الهرم الكبر، حينا بموافقة مسؤولي المناطق الأثرية، وأحيانا أخرى بدون أي موافقة وبدون علم المسؤولين، على أمل تحقيق خرافاتهم المتمثلة في العمل على “استقرار النجمة” وبالتالي عودة اليهود إلى مصر، ولإثبات أن لهم جذورا حضارية في مصر وأنهم البناة الحقيقيين للهرم.
واعتادت هذه الجماعات اختيار التواريخ المميزة لإقامة طقوسها، والتي كان من بينها يوم (11-11-2011)، والذي يزعمون أنه يشكل بدء انتهاء الحقبة القديمة من عمر كوكب الأرض، وبداية حقبة جديدة تتمثل في انسحاب الكوكب الذي يؤثر بطاقته الإيجابية على الأرض، وبدء مرحلة فاصلة في تاريخ البشر يتحكم فيها نجم ذو طاقة سلبية!
اعتراف وإنكار!ّ
كانت هذه الضجة كفيلة بخروج المسؤولين عن صمتهم، ولكن كان اللافت هو تضارب التصريحات والبيانات الرسمية، فحينا ينفون تنظيم الحفل من الأساس، وحينا يعترفون بالتنظيم مع التأكيد على عدم إقامة مثل هذه الطقوس، وفي وقت آخر يصدر عنهم اعتراف وإنكار في الوقت ذاته، وهو ما كشف حالة من التخبط الكبير، وأثار الكثير من علامات الاستفهام.
وكان أكثر شيء لافت في هذه البلبلة الرسمية، هو الرفض الصريح الذي صدر من مدير منطقة الأهرامات حينها بشأن إقامة الحفل، وهو الرفض الذي أرسل به ورقة رسمية للمجلس الأعلى للآثار، بدعوى أن مثل هذه الحفلات مثيرة للريبة وتكون ذات أهداف أيديولوجية في كثير من الأحيان، إلا أن الغريب هو تجاهل المجلس لهذا الرفض وصدور الموافقة بإقامة الحفل.
في المقابل، خرج مسؤول الشركة المنظمة للحفل، لينفي علاقة شركته بأي جماعات يهودية أو ماسونية، متهما الشركات المنافسة له بالوقوف وراء تعطيل إقامة الحفل عبر ترويج الشائعات، داعيا وسائل الإعلام لتغطية الحدث والتأكد بنفسها من خلوه من كل ما قيل.
وبالرغم من ذلك، اعترف الرجل أن الحفل سيشهد طقوسا محددة ولكنها لن تضر بسلامة المنطقة الأثرية، وهي إقامة دائرة حول الهرم وإشعال الشموع، مؤكدا أن هذا الطقس خاص ببعض المشاركين الذين لا يعرف دياناتهم! كاشفا أن حفلا شبيها أقيم حول الهرم الأكبر في (1-1-2001) ولم تحدث حوله كل هذه الضجة.
نهاية مفاجئة
ومع مرور الوقت، كلما اقترب يوم 11 نوفمبر 2011، كانت الأحداث تشتعل بشكل أكبر، وزاد تحفز الجميع تجاه الواقعة، وجلس الكثيرون يراقبون ما سيحدث، واحتشدت الكثير من القطاعات الرسمية للتعامل مع الأزمة التي قد تتفجر يومها، وظهرت دعوات على مواقع التواصل الاجتماعي لمنع إقامة الحفل بالقوة.
وقبل إقامة الحفل بـ24 ساعة تقريبا، أعلن فجأة عن إلغائه ونزع فتيل الأزمة.
حيث أعلن مسؤول الشركة المنظمة للحفل، إلغاء إقامة الفعالية، عبر بيان نشره على الموقع ذاته الذي سبق وأعلن عن دعوات الحفل، حيث حذف الرسالة التي كتبها من قبل، وكتب مكانها عبارة بالإنجليزية تقول “آسفين أن نبلغكم بإلغاء الحدث”.
ومر يوم 11 نوفمبر 2011 دون إقامة أي من هذه الشعائر، وفشلت تلك الجماعات في تحقيق غرضها.