في أحد أيام عام 1748، توجه مهندسا إيطاليا بصحبة مجموعة من العمال، لبدء أعمال حفر قناة مائية بالقرب من سفح جبل فيزوف الإيطالي المتاخم لخليج نابولي، وعندما بدأت المعاول تشق الأرض، فوجئ العمال بما لم يكن في الحسبان، فقد عثروا على مدينة كاملة ظلت مدفونة تحت الأرض لعقود طويلة، إنها مدينة بومبي، أرض الفاحشة!
ولكن المثير حقا لم يكن مجرد العثور على المدينة، بل كان العثور على جثث سكان المدينة في الأوضاع التي فاجئهم فيها الموت، وهي حالة نادرة ربما لا توجد في أي مدينة أثرية أخرى في العالم.
يوم الكارثة
كانت بومبي مدينة رومانية كبيرة في منطقة كامبانيا بإيطاليا، لكن المدينة المنكوبة دُمرت واختنق سكانها في أحد أيام عام 79 ميلاديا، عندما أطلق جبل فيزوف العنان لبركانه الذي استمر في ثورانه وقذف ما في باطنه على ارتفاع مئات الأمتار في الهواء ولمدة 18 ساعة صحبها تشققات وأصوات وهزات أرضية خفيفة ضربت جنوب إيطاليا.
لكن الكارثة القاتلة حدثت عندما انهارت فوهة البركان مما تسبب في سيل من الحمم تجاوزت سرعة دفعها 160 كيلومترا في الساعة، وأغرقت بومبي ودمرت كل شيء في طريقها وغطت المباني حتى دفنت المدينة وسكانها الذين كانوا يعدون بالآلاف تحت أطنان الرماد.
وكان الناجي الوحيد من هذه الكارثة قاضي يدعى “بلينيوس الأصغر”، والذي دون ما شاهده في هذا اليوم، قائلا إن البركان بدأ بالثوران في ظهيرة يوم 24 أغسطس عام 79 ميلاديًا، وكان ذلك اليوم معدًا لعيد إله النار عند الرومان، حيث شاهد سحباً متصاعدة من الدخان كشجرة الصنوبر غطت الشمس وحولت النهار إلى ظلام دامس، وحاول سكان المدينة الفرار بعضهم عن طريق البحر ولجأ بعضهم إلى بيوتهم طلبًا للحماية، إلا أن النهاية المأساوية طالتهم.
اكتشاف المدينة
ولم يكتشف مكان الكارثة إلا عام 1748 ميلادًا، خلال عملية حفر قناة مائية في المنطقة، حينما فوجئ العلماء بآلاف الجثث المتحجرة والمدفونة تحت الرماد البركاني في أوضاع جنسية مختلفة، ليتبين لاحقا أنهم ضحايا كارثة طبيعية ضربت المدينة بشكل مفاجئ عبر ثوران بركان جبل فيزوف، في أمر فسره الكثيرون أنه غضب وبلاء حل بالمدينة عقابا على انتشار الرذيلة فيها وممارسة الجنس في الشوارع، خاصة وأن المثلية الجنسية كانت منتشرة في تلك المدينة.
وبدراسة أكثر من ثمانين جثة لم تظهر على أي منها أي علامة للتأهب لحماية نفسها أو حتى الفرار، ولم يبد أحدها أي ردة فعل ولو بسيطة، وهو ما دفع العلماء للقول بأنهم ماتوا بسرعة شديدة دون أي فرصة للتصرف، وكل هذا حدث في أقل من جزء من الثانية.
وبحسب بعض العلماء، فإن كمية الطاقة الناجمة عن انفجار البركان كانت تفوق انفجار قنبلة نووية، وهو ما كان سببا في تساقط الرماد على سكان المدينة كالمطر ودفنهم تحت 75 قدمًا.
وفسّر خبراء الآثار الظاهرة بأن أهل القرية أحيطوا بموجة حارة من الرماد الملتهب بصورة سريعة، لدرجة أن الغبار البركاني حل مكان الخلايا الحية الرطبة في أجسامهم، ما يفسر بقاء الجثث على هيئاتها وقد تحجرت كما هي، فظهر بعضها نائما وآخر جالسا وآخرون على شاطئ البحر.
فن الخلاعة
وتاريخيًا، كان لدي مومبي حضارة مزدهرة ومعظم سكانها من الأثرياء، وظهر ذلك على معالم المدينة، فكانت شوارعها مرصوفة بالحجارة وبها حمامات عامة وشبكات للمياه تصل إلى البيوت، كما كان بها ميناء بحري متطور ومسارح وأسواق، وآثارهم أظهرت تطور بالفنون من خلال النقوش ورسومات الجدران.
واشتهرت المدينة بانتشار الرذيلة وحب أهلها للشهوات والشذوذ حتى مع الحيوانات، وكانوا يمارسون شهواتهم في كل مكان ويستنكرون من يستتر، كما كانت بيوت الدعارة في كل مكان، وتنتشر غرف صغيرة لممارسة الرذيلة لا يوجد بها سوى فراش.
وتعتبر مدينة بومبي الآن واحدة من أهم المزارات السياحية في العالم، لاسيما في أوروبا، ويأتي إليها العديد من السياح لمعرفة ما حدث لأهل هذه القرية، إلا أن بعض المناطق فيها يحظر دخولها على الأطفال والأقل من 18 عامًا بسبب الرسومات الإباحية، وخاصة على بعض المباني والحمامات التي كانت تعرض المتعة لزبائنها، حتى إن الباحثين اليوم يعتبرون أن فن الخلاعة قد بدأ في هذه المدينة.