بشكل أو أخر، تلعب بعض الأماكن داخل المجتمعات، دورًا في رسم ملامح الحياة اليومية للأشخاص، ففي موسكو يعتبر مترو الأنفاق ليس فقط وسيلة نقل سريعة وعملية، وإنما هو جزءً من ثقافة الروسيين لما تحمله محطاته من عناصر تراثية جسدت الحقب التاريخية لروسيا، حتى بات أشبه بمتحف تحت الأرض.
ومترو موسكو من المشاريع المعمارية الأكثر دقة في الاتحاد السوفييتي السابق ما جعله معلمًا سياحيًا بارزًا لزوار روسيا، فهو أعجوبة تقنية ومعمارية فريدة من نوعها، شارك في تشييدها أبرز الحرفيين والنحاتين والرسامين السوفياتيين الذين حولوا محطاته إلى سلسلة من المتاحف الممتدة اختزنت التاريخ وضمت أروع اللوحات والتماثيل الفاخرة ورصعوا جدران أعمدته بالأحجار الكريمة والمرمر والرخام النادر.
يعود تاريخ مترو أنفاق موسكو إلى 15 مايو عام 1935، والذي تم فيه افتتاح أول خط بلغ طوله 11 كيلومتر ويتألف من ثلاثة عشر محطة على خط واحد، كل محطة تحكي قصة عن ثقافة وحياة الشعب السوفيتي، ولها تصميم خاص بها، وهو عنصر مهم من تراث المدينة، إلا أن أكثرها روعة محطة ساحة الثورة المركزية بإعتبارها قصر الشعب، وقد شيدت بالجدران الرخامية العاكسة، والسقوف العالية المزخرفة بأجمل اللوحات الفنية.
وفي أثناء الحرب العالمية الثانية استخدم الروس محطات المترو كملاجئ يختبئون فيها أثناء القصف النازي الألماني، إلا أنه بعد فترة وجيزة من وفاة ستالين القائد الثاني للاتحاد السوفييتي في عام 1953، اتجه الاتحاد لعدم الإسراف في الأموال على العمارة وتم تجريد محطات المترو من البنود الخاصة ذات الفخامة، كما نقلت التماثيل في المستودعات الحكومية للدولة.
وبعد سقوط الاتحاد السوفياتي، واستعادة بعض المحطات إلى مجدها السابق، أعيدت المحطات برونقها الجميل كما كانت عليه من قبل.
ويصل عمق مترو الانفاق في موسكو إلى 60 مترا تحت سطح الأرض، وقد اتسع بشكل كبير خلال السنوات الطويلة منذ إنشائه، حتى أصبح يضم اليوم أكثر من 200 محطة، ويبلغ الطول الأجمالي لخطوطه 333 كيلومترا، ويشكل شبكة عنكبوتية تتقاطع فيها الخطوط العامودية مع الخطوط الدائرية بحيث تغطي مساحة المدينة بالكامل.
ويعتبر مترو موسكو ثاني أكبر شبكة قطارات أنفاق في العالم تعتمد نظام النقل السريع بعد مترو الأنفاق التوأم في طوكيو، ويبلغ متوسط حركة نقل الركاب فيه على مدار السنة 7 مليون راكب في اليوم الواحد.
ومؤخرًا، تم إدراج ثلاث محطات من مترو أنفاق العاصمة الروسية ضمن لائحة المعالم المعمارية الوطنية، ويقال إن الرئيس الأمريكي الراحل رونالد ريجان عندما زار موسكو عام 1988 وشاهد المترو، وصفه بأنه أعجوبة من عجائب الدنيا.