هناك مقولة شهيرة تقول إن “ما يحدث في فيجاس، يبقى في فيجاس” وذلك لكثرة التصرفات المجنونة التي يقوم بها زائري المدينة تحت تأثير الكحول والقمار.
فمن جوف صحراء قاحلة كان يستوطنها بعض قبائل الهنود الحمر بولاية نيفادا غرب الولايات المتحدة، ولدت “مدينة الخطيئة” كما يصفها الأمريكيون، ينبض قلبها بالحياة كل يوم، ولا يعرف النوم طريقًا إليها، فهي مُحاطة بسلسلة جبال سييرا نيفاد وجبال سبرينج، وتصل ارتفاعات الجبال حول المدينة إلى 10 آلاف قدم، تعمل كحاجز بين المدينة والمحيط الهادئ.
ومرت نشأة المدينة -التي تتمتع الآن بشهرة عالمية واسعة بسبب كثرة ما تزخر به من حياة ليلية صاخبة- بمراحل مختلفة، تعود بدايتها للسنوات الأخيرة في القرن التاسع عشر، عندما اقتنت الممثلة الثرية “هيلين ستيوارت” مساحة 75 مليون متر مربع، في منطقة الرانتش الأمريكية، ثم باعتها بعد ذلك للسيناتور ويليام كلارك، عضو مجلس الشيوخ عن ولاية مونتانا وصاحب شركة للسكك الحديد.
وكان السبب الرئيس لشراء السيناتور الأمريكي تلك المساحة الشاسعة من الصحراء القاحلة، إنعاش أنشطة شركته، فرسم خطة لبناء قرية صغيرة باسمه، أطلق عليها “مقاطعة كلارك”.
وبعد إكمال مشروع سكة قطار حديد لوس أنجلوس وسولت ليك، التي تربط جنوبي كاليفورنيا بسولت ليك، أصبحت لاس فيجاس محطة للسكة الحديدية، وساعدها في ذلك توافر المياه في المدينة، مما جعلها موقفاً للاستراحة والتزويد بالوقود بين المحطات.
وفي الخامس عشر من شهر مايو عام 1905، عرض السيناتور في مزاد علني، رقعة أرض صغيرة للبيع في تلك الربوع الشاسعة من مزرعته، قدرت بمساحة 450 ألف متر مربع تمثل قلب لاس فيجاس الحديثة.
واعتبرت الحكومة الأمريكية لاس فيجاس كمدينة بشكل رسمي، في الأول من يونيو لعام 1911، وفي ذلك اليوم توجه الناخبون الذين كانوا يعيشون في المدينة للانتخاب وبدأت المدينة في النمو تدريجيًا، لكنها بقيت حتى ذلك الحين بقعة هادئة ومجهولة إلى أن أتى عام 1931 الذي أعطت فيه سلطات ولاية نيفادا التصريح بممارسة القمار باعتباره عملا قانونيا، واعتمدت تشريعات لتسهيل إجراءات الزواج والطلاق، ما حدا بكثيرين إلى ارتياد الولاية للاقتران بشكل صوري ثم التطليق بسهولة، على نحو يحاكي “زواج المتعة”.
وفى هذا الوقت كان عدد سكان لاس فيجاس لا يزيد عن خمسة آلاف ساكن، أغلبهم من العمال العزاب، وبدأ عدد من الأشخاص فى بناء كازينوهات القمار استخدامًا للقانون الذى سمح بذلك، كما ساعدت مشاريع السكة الحديد في جلب قطارات تحمل سماسرة الهوى وبائعاته.
وبحلول أواخر عام 1945 كانت لاس فيجاس مقصدًا لعصابات المافيا التي استغلت المدينة لتنظيف أموال المخدرات، وفي المقابل أيضًا استثمار أموالها فى أنشطة الدعارة والقمار، فقدم إليها بوجسي سيجيل، أحد أشرس رجال العصابات اليهودية الأمريكية، بعد أن أثارت المدينة السياحية الناشئة اهتمامه بسبب شرعنتها للمقامرة والمراهنة.
ولم يأت سيجيل للمدينة كزائر فقط، بل أتى معه بفكرة القرن، وهي بناء كازينوهات عملاقة في لاس فيجاس لاستدراج أثرياء الجارة كاليفورنيا، حيث الميسر العلني ممنوع، فانطلقت من عنده المسيرة الفعلية لأكبر مقمرة للترفيه ومقبرة للثروة، فرأت النور صالة “فلامنجو”، أول كازينو عملاق في العالم، وتبعتها صالات متعددة أخرى.
وشهدت فترة السبعينيات إقبالاً ضخمًا من السكان للانتقال لمدينة الحظ، وتنامى عدد السكان ليكسر حاجز الـ100 ألف ساكن، وذلك بفضل كازينوهات القمار، وبحلول نهاية القرن العشرين تجاوز عدد سكان لاس فيجاس نصف المليون شخص.
وفي عام 1980 تم طرد معظم العاملين في مستشفى لاس فيجاس بعد أن أكتُشف أنهم يقامرون على حياة أو موت المرضى، وإحدى الممرضات اتهمت حينها بقتل مريض كي تربح الرهان.
واعتبرت تفجيرات القنابل الذرية من أكبر عوامل الجذب السياحي للمدينة، ففي فترة الخمسينيات، حيث كان السياح يشاهدون التفجيرات في مدرجات خاصة ومكشوفة، كما يتوفر بها العديد من الأماكن المخصصة لقيادة الدبابات والجرافات للتسلية.
ومعظم معالم المدينة مستوحاة من معالم عالمية، مثل تمثال الحرية في نيويورك وبرج إيفل في باريس والأهرامات في مصر والبندقية في إيطاليا. كما يوجد جزء من حائط برلين في أحد حمامات محطات الوقود في الشارع الرئيسي في المدينة.
وتحتضن مدينة 17 فندقًا ضمن أكبر 20 فندقًا في الولايات الأميركية المتحدة بأكملها، ويزورها ما يقرب من الأربعين مليون سائح سنويًا، كما أن ربع إيرادات قطاع السياح فيها تأتي من إيرادات الكازينوهات، وقد ارتبط اسم المدينة بالعديد من النجوم مثل ألفيس بريسلي وفرانك سناترا وسيلين ديون.
وترفع مدينة لاس فيجاس منذ نشأتها شعار “ليس هناك شيء مستحيل، فكل الأمور ممكنة”، إذ تتباهى المدينة الساحرة بالأرقام القياسية العالمية التي تحققها سنويًا من الأرباح، ودائمًا ما تسعى إلى أن تتفوق على نفسها وتحطم هذه الأرقام مجـددًا.