يعد الصحابي الجليل “خبيب بن عدي” واحدا من الصحابة الذين استنوا سنة لم تكن موجودة قبلهم، والتي ارتبطت بنهاية حياته، حيث استن سنة الصلاة ركعتين قبل استشهاده بعد ما أصر كفار قريش على قتله بعد التمثيل بجثمانه وصلبه، حيث كان أول من صلب من العرب.
وخبيب هو صحابي من الأنصار من قبيلة الأوس، تقول بعض المصادر أنه شهد غزوة بدر، إلا أن مصادر أخرى لم تذكره فيما شهد الغزوة، فيما أجمع المؤرخون أنه شهد غزوة أحد.
وبعد أحد، جاء رجال من قبيلتي عضل والقارة، من نجد، إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقالوا له إن فيهم إسلاما وطلبوا منه أن يرسل إليهم نفرا من أصحابه يفهمونهم الدين ويقرأون القرآن ويعلمونهم شرائع الإسلام.
فأرسل الرسول الكريم مجموعة من أصحابة أطلق عليهم “سرية المنذر بن عمرو”، كان بينهم خبيب بن عدي، وانطلقوا في طريقهم إلى نجد.
وعندما وصلوا قرب منطقة فيها ماء تابع لقبيلة هذيل، خرج عليهم مجموعة رجال من تلك القبيلة، وأحاطوا بهم، وكانوا قرابة مائتي مقاتل، وبالرغم من ذلك حاول الصحابة الستة الدفاع عن أنفسهم أمام هذا الجمع الغفير من المقاتلين، فاستشهد منهم أربعة، وأسر اثنين، هما خبيب وزيد بن الدثنة.
ولم يشأ أهل قبيلة هذيل قتل الأسيرين المسلمين، بل فضلوا أن يذهبوا بهما إلى قريش، وقايضوهما بأسيرين آخرين من قبيلة هذيل كانوا محتجزين لدى قريش، وكان الذي اشترى خبيب هو “حجير بن أبي أهاب التميمي” من بني الحارث.
فأخذ بنو الحارث “خبيب” ووضعوه في الأسر موثقا وحاولوا مساومته على إعلان خروجه من الإسلام وكفره مقابل عتقه، إلا أن الصحابي الجليل تمسك بإيمانه وبإسلامه، فما كان من بني الحارث إلا أن قرروا قتل خبيب فاصطحبوه إلى مكان يسمى “التنعيم” تمهيدا لقتله.
وهناك طلب منهم خبيب قبل قتله أن يصلي ركعتين، فأذنوا له، وبالفعل صلى الركعتين في خشوع تام، ولم يكن يدري أنه يستن بذلك سنة “الصلاة ركعتين قبل الموت”، وشعر خبيب بحلاوة الإيمان وجلال الصلاة في تلك الركعتين، وود لو أنه أطال الصلاة، فالتفت إلى قاتليه وقال: “والله لولا أن تحسبوا أن بي جزعا من الموت لازددت صلاة”.
وبعدما أنهى صلاته، رفع يديه بالدعاء إلى الله، وهو ينظر إلى قاتليه قائلا: “اللهم احصهم عددا.. واقتلهم بددا.. ولا تغادر منهم أحدا”، ثم نظر في وجوهمم وراح ينشد “ولست أبالي حين أقتل مسلما.. على أي جنب كان في الله مصرعي”.
وشعر كفار قريش بالغيظ من كلمات خبيب، فأرادوا أن يذيقوه العذاب قبل موته، فقاموا بصلبه على جذوع النخل، حيث كانت تلك هي المرة الأولى -بحسب بعض المصادر- في تاريخ العرب التي يصلبون فيها رجلا.
ولم يكتفوا بذلك، بل تجمع عدد من الرماة وأخذوا يصوبون رماحهم نحو جسده المسجى على الصليب وهو لا يزال حيا يتنفس، فيما أخذ آخرون يمثلون بجسمانه بسيوفهم، ثم اقترب منه أحدهم قبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة وقال له: “أتحب أن محمد مكانك، وأنت سليم معافى في أهلك؟ فرد عليه خبيب: “والله ما أحب أني في أهلي وولدي، معي عافية الدنيا ونعيمها، ويصاب رسول الله بشوكة”، ثم ردد دعائه عليهم مجددا “اللهم احصهم عددا، واقتلهم بددا، ولا تغادر منهم أحدا”.
وقد استجاب الله دعاء خبيب، حيث قتل كل من حضر مقتله، إلا اثنين دخلوا في الإسلام، هما أبو سفيان بن حرب، وسعيد بن عامر، وكان الأخير كلما تذكر مقتل خبيب بن عدي أصابته إغماء وحزن شديد.