تعتبر فكرة “البطل الخارق” واحدة من أكثر الأفكار انتشارا في ثقافات العالم المختلفة، فلا توجد دولة أو مجموعة دول ذات ثقافة مشتركة، إلا وعرفت في قصصها الشعبية وتاريخها المروي “أبطالا خارقين” تميزوا بقدرات استثنائية كانت سببا في أن تحفظ الأجيال سيرتهم وتتناقلها عبر العصور.

وفي الوقت الحاضر، انتشرت ثقافة مختلفة نوعا ما، وهي ما يمكن أن نطلق عليه “الأبطال الخارقون العالميون”، ويقصد بها شخصيات الأبطال الخارقة التي ابتكرتها السينما العالمية في العصر الحديث، والتي باتت من فرط انتشارها بمثابة ثقافة مشتركة تتقاسمها معظم بلدان العالم على اختلافها، وأصبحت لها شعبية عالمية، فلا تكاد تجد دولة إلا ويعرف شبابها وأطفالها هؤلاء الشخصيات، ويتشبهون بهم ويتابعون أحدث الأفلام التي تروي بطولاتهم الخيالية، وهي شخصيات معظمها من إنتاج الخيال الغربي.

ولا يقتصر تميز الشخصيات الخارقة التي انتشرت في العصر الحديث على صفة القوة فقط، بل تنوعت قدراتها الاستثنائية ما بين الذكاء الحاد، والسرعة الكبيرة، وقراءة الأفكار، والقدرة على التحليق والاختفاء، وقدرات بصرية غير اعتيادية.. وهكذا.

وارتبطت فكرة “البطل الخارق”، سواء في الماضي أو في العصر الحاضر، بفكرة استخدام قوة البطل في مساعدة المجتمع وإنفاذ العدالة ومطاردة المجرمين وتحقيق الأمن، والتصدي للأشرار ومنعهم من الإضرار بالمجتمع.

عرب أصحاب قدرات خاصة

وقد عرفت الثقافة العربية، العديد من الشخصيات التي احتفظت لنا كتب التاريخ بسيرها وقصصها، الذين تمتعوا بقدرات استثنائية كانت مضرب للأمثال.

إلا أن “الأبطال الخارقين” الذين عرفتهم المنطقة العربية، لم تنظر إليهم كتب السير والتراجم على أنهم “أبطال شعبيين” بالمعنى المتعارف عليه، بل مجرد أشخاص تميزوا عن غيرهم بقدرات خاصة، وفي بعض الأحيان بقدرات عادية ولكن تم تضخيمها والمبالغة في تصويرها لغرض ما، ولم يجدوا طريقهم إلى كتب التاريخ عادة إلا بسبب قصائد ألفوها أو ألفت عنهم، حفظت لنا سيرتهم وخلدتها، أو بسبب نهاياتهم الدرامية التي كانت تعد بمثابة عظة وعبرة تتناقلها الأجيال.

فمن هؤلاء عنترة بن شداد، الذي تروي لنا كتب “الأدب العربي” أنه كان يتمتع بقوة عظيمة وشجاعة كبيرة، فكان يصرع أعتى الأبطال ويقاتل الأسود والذئاب في البرية، واستطاع أن ينتصر بسبب قوته في كل الحروب التي خاضها مع قبيلة “عبس”، وبالرغم من ذلك كان السبب الرئيسي في حفظ سيرة عنترة حتى الآن هو قصة حبه الشهيرة لعبلة بنت مالك ابنة عمه التي خلدتها قصائده الشعرية.

كما عرف عن الشاعر ثابت ابن جابر، والمشهور باسم “تأبط شرا”، أنه كان من العدائين وكانت سرعته يضرب بها المثل بين العرب، وفي زمنه كان يقال أنه لا يوجد رجل يمشي على قدمين أسرع من تأبط شرا، حتى إنه كان يستطيع العدو خلف الغزلان، التي تعد أحد أسرع الحيوانات على الإطلاق، حتى يقوم باصطيادها بيديه ثم يقوم بذبحها وأكلها، ومن شدة سرعته قالوا إنه “لا يكاد يرى”، وبالرغم من هذه الميزة الخارقة، إلا أن سبب شهرته الأساسية هي أنه كان من الشعراء الصعاليك الذين تركوا أشعارا تخلد ذكراهم ولولا لما بقي في ذاكرة العرب.

أما الشاعر الصعلوك “سليك بن السلكة” فكان يمتع بعدة صفات خارقة، فقد كان سريعا للغاية حتى أن الخيل لا تستطيع اللحاق به وكان يضرب به المثل في السرعة فيقال “أعدى من السليك”، بالإضافة إلى ذلك كان فتاكا لا يستطيع أحد على منازلته، كما كان لديه قدرة غير عادية على حفظ الطرق حتى قيل أنه أعلم الناس بمسالك الأرض.

وهناك زرقاء اليمامة، التي كانت تتمتع ببصر حاد لم يعرف التاريخ مثله، ويقال أنها كانت ترى الشخص من على مسيرة ثلاثة أيام، أي على بعد عشرات الكيلو مترات، وكانت نهايتها الدرامية سببا في دخولها كتب التاريخ، حيث لم يصدقها قومها عندما أخبرتهم أنها ترى فروع الأشجار -وكان يختلف خلفها الأعداء- تتحرك باتجاه قبيلتها، وعندما وصل الأعداء واستولوا على أرضها قاموا باقتلاع عيني زرقاء اليمامة.

أما إياس بن معاوية المزني، فقد كان أحد أشهر الرجال في عصر الدولة الأموية، حيث عرف بشدة ذكاءه منذ صغره، وقدرته على إيجاد الحلول لأعتى المشكلات، وعندما شاعت أخبار ذكائه في الدولة، صار الناس يأتونه من كل حدب وصوب، يعرضون عليه ما يعترضهم من مشكلات في العلم والدين، فكان يجد لها الحلول بكل بساطة وبشكل كان يصيب من حوله بالدهشة البالغة، وتحفظ لنا كتب الأدب العربي عشرات القصص التي تجسد مدى ذكاء هذا الرجل وفطنته.

في حين تمتع أبو جعفر بن جرير الطبري، صاحب كتاب “تاريخ الطبري” بذاكرة حديدية كان يضرب بها الأمثال، وهو ما ساعده على أن يلف في العديد من العلوم، فقد كانت تساعده ذاكرته الحديدية النادرة على أن يحفظ موضوعات العلوم وأدلتها وشواهدها وكأنه يقرأ من الكتب، حتى قيل إنه لم ينس شيئا حفظه حتى يوم مماته.