لاتزال مجموعة “أواني سقارة” المنتشرة في المتحف المصري والعديد من متاحف العالم، تثير حيرة العلماء، وتطرح تساؤلا لم يعثر له على إجابة حتى الآن: كيف صنع المصريون القدماء هذه الأواني من أحجار الشست والكوارتز والديوريت والبازلت شديدة الصلادة بهذه الدقة المتناهية؟ وما هي الأدوات التي استخدموها في عملية الصنع؟!
أواني سقارة هي عبارة عن مجموعة من الأوعية الحجرية ذات أشكال متعددة ومصنوعة من أقسى أنواع الأحجار، عثر عليها في أسفل هرم زوسر بمنطقة سقارة بأعداد كبيرة تتجاوز الآلاف، ويعتقد العلماء أنها ترجع جميعها إلى فترة الملك زوسر أي قرابة 3400 سنة قبل الميلاد، وتنتشر حاليا في العديد من متاحف العالم.
إن المعضلة التي تثيرها أواني سقارها، هي أن صنعها لا يتناسب بأي حال من الأحوال مع الأدوات التي يعتقد أن المصريين استخدموها في عصر الأسرات، وهي الأزاميل والمطارق النحاسية والبرونزية، وحتى الحديدية التي ظهرت في أواخر العصر، وذلك نظرا لنوع الأحجار المصنوع منها هذه الأواني، حيث اختار المصري القديم أن يصنعها من مجموعة أحجار شديدة الصلادة، ولا يمكن لأي مادة النحت فيها بسهولة، مثل الديوريت مثلا الذي لا ينحت فيه إلا بنصل من الألماس!
المدهش حقا، أننا إذا حاولنا حاليا صناعة أواني مثيلة من الأحجار ذاتها، فإننا سنواجه مشكلة كبيرة جدا، وهي أننا ببساطة لا نمتلك أدوات تساعدنا على صناعة نفس أشكال تلك الأواني من الأحجار ذاتها! ما يعني أننا نحتاج إلى صناعة أدوات أكثر حداثة واستثنائية وغير مسبوقة.
الأكثر إدهاشا هو التناسق والتطابق المذهل في قياسات تلك الأواني التي تصل إلى حد التطابق الهندسي، وهو ما يجعل نسبة الخطأ البشري في عملية صناعتها تكاد تكون صفر في المائة!
أضف إلى ذلك، أن كثير من تلك الأواني مفرغة من الداخل بالرغم من أن عنق الوعاء أضيق من الوعاء نفسه، وهو ما يعني أن صانعها استخدم أدوات خاصة واستثنائية لنحتها، ولكن ما هي هذه الأدوات التي استطاع بها نحت حجر الديوريت وتفريغه من الداخل بهذا الشكل وصقله من الداخل والخارج؟!
وبالإضافة لكل ما سبق، نجد أن كثرة أعداد هذه الأواني التي تصل إلى عشرات الآلاف يصعّب الأمور بشكل أكبر، فلو افترضنا أنها صنعت عن طريق النحت اليدوي، فإن صناعة آنية واحدة منها سيستغرق أياما وأسابيع، فما بالك بعشرات الآلاف منها؟!
يقول الباحث الأمريكي جون أنتوني ويست، وهو واحد ممن يؤمنون بأننا لم نكتشف الأسرار الحقيقية للحضارة المصرية حتى الآن، أن أواني سقارة تشكل تحديا كبيرا للعلماء، حيث لا توجد آثار لاستخدام أدوات حفر (المطرقة والأزميل) على أحجار تلك الأواني، كما أن أسطحها ملساء تماما وكأنها نحتت باستخدام أشعة الليزر.
أواني سقارة أثارة دهشة العالم الإنجليزي فليندرس بيتري الذي وصل إلى مصر عام 1881 لدراسة الآثار المصرية، حيث استبعد الرجل من فرط دهشته أن يكون المصريين القدماء قد نحتوا هذه الأواني بمجرد النحت والطرق باليد، مرجحا أن يكون المصريين قد توصلوا إلى تكنولوجيا متقدمة لم نكتشفها حتى الآن، ساعدتهم على صناعة تلك الأواني.
ووصل بالعالم الإنجليزي أن افترض أن المصريين القدماء لابد وأن يكونوا توصلوا إلى صناعة “المخارط” الآلية الميكانيكية حتى يمكنهم إنتاج مثل تلك الأواني بمثل تلك الدقة المتناهية، وهي النظرية التي لم يقدم بيتري أي دليل على صحتها وبالرغم من ذلك ظهر من بعده من يؤمن بها ويعتقد أن المصريين امتلكوا آلات متطورة للغاية ساعدتهم على بناء هذه الحضارة العملاقة.
الثابت أن هذه الأواني الإعجازية، ستظل مبعث حيرة كبيرة للعلماء والباحثين وكل المهتمين بالحضارة المصرية القديمة، ودليل على عظم تلك الحضارة وعظم التقدم العلمي الذي أحرزه المصري القديم، وستظل تشكل سرا كبيرا غامضا من أسرار الحضارة المصرية، إلى أن نتوصل إلى دليل مادي قاطع يكشف لنا كيفية صناعتها والأدوات الحقيقية المستخدمها فيها.
المصدر: Iramofpillars.com