شهدت مصر خلال تاريخها الحديث العديد من الدعوات التي نادت بتطبيق الشريعة الإسلامية كاملة، وبالتحديد تطبيق الجانب العقابي فيه والمتعلق بالحدود الشرعية، وظلت كل هذه الدعوات مجرد نداءات أو آراء يعبر عنها أصحابها، ولم تتخذ أي خطوة فعلية أو محاولة لتطبيق الحدود في مصر، إلا في عهد الرئيس الراحل أنور السادات، الذي كان يحب أن يطلق على نفسه لقب “الرئيس المؤمن”، والذي صرح بشكل علني أنه “رئيس مسلم لدولة مسلمة”.

السادات يقنن الفقه

فخلال النصف الثاني من فترة حكمه، طلب السادات علانية من رئيس مجلس الشعب حينها الدكتور صوفي أبو طالب، بتقنين فقه الشريعة، وإعداد مدونة قانونية مستمدة بالكامل من الشريعة الإسلامية تمهيدا لتطبيق الحدود.

وبالفعل بدأ العمل على تنفيذ طلب السادات بإعداد مجموعة من مشاريع القوانين، شارك فيها عدد من علماء الأزهر والقضاة وأساتذة كليات الحقوق والفقهاء الدستوريين وغيرهم، وكان من أهم هذه المشاريع 6 مشاريع تعلقت بتطبيق الحدود، وهي حدود الشرب والزنا والردة والحرابة والسرقة والقذف.

إلا أن السادات بدا غير متعجل في تطبيق هذه الحدود، خشية عدم تقبل الشارع لها، كما أثار مشروع قانون حد الردة أزمة كبيرة بين السادات وبين البابا شنودة كانت ينذر بتأزم الأوضاع بشكل أكبر حال اعتماد المشروع وتحوله إلى قانون ساري المفعول، وهو ما جعل السادات يتروى في اتخاذ القرار إلى ما بعد تعديل الدستور.

وفي 22 مايو 1980، تم إقرار مجموعة من التعديلات على دستور 1971، شملت تمديد فترات الرئاسة وإنشاء مجلس الشورى والنص على أن الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع.

وفي حوار سابق له، أكد الدكتور محمد عمار عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، أن السادات كان جادا وعازما بالفعل على تطبيق هذه الحدود لولا أن القدر لم يمهله، حيث اغتيل في أكتوبر 1981، لافتا إلى أن حسني مبارك أوقف مساعي تطبيق الحدود خشية اتهامه بأنه يسير على درب النميري بالسودان والخوميني بإيران.

الرئيس المصري الراحل أنور السادات أثناء أداءه الصلاة بمنزله

قوانين لم تطبق

وفي كتابه “المصحف والسيف”، نشر الدكتور نبيل عبدالفتاح، نصوص هذه المشروعات التي تم إعدادها، والتي كانت تنتظر الإقرار من مجلس الشعب، وكان أهم ما تناولته هذه المشاريع هي التعريف بالمقصود بكل حد بشكل مفصل، والنص على عقوبته.

ففي مشروع قانون “حد الشرب” تم النص على حرمانية شرب الخمر وتعاطيها وحيازتها وإحرازها وصنعها وتحضيرها وإنتاجها وجلبها واستيرادها وتصديرها والإتجار فيها وتقديمها وإعطاؤها وإهداؤها وترويجها وونقلها والدعوة إليها والإعلان عنها وسائر أوجه النشاط المتعلقة بها.

ونص المشروع على أن تكون عقوبة شرب الخمر الجلد 40 جلدة، فيما يعزر بالجلد 30 جلدة وبغرامة لا تقل عن ألف جنيه ولا تجاوز 5 آلاف جنيه، كل من صدر أو جلب أو استورد أو أنتج أو استخرج أو صنع أو حضر خمرا أو اشترك في أي فعل مما ذكر بقصد الإتجار.

أما مشروع قانون حد الزنا، فقد نص بالجلد مائة جلدة على كل من الطرفين إذا كانا غير محصنين أما إذا كانا في حالة الإحصان فتكون العقوبة هي الرجم حتى الموت.

وتم النص في هذا المشروع على أن يتم جلد الرجل قائما والمرأة قاعدة، و ينزع عنهما أي شيء يمنع وصول الألم إلى الجسد كالفرو والحشو، و يكون الضرب وسطا “لا يخرق جلدا ولا يقطع لحما ويفرق على أعضاء المحكوم عليه وجسده باستثناء الوجه والرأس والمواضع المهلكة”، كما اشترط أن ينفذ الجلد بسوط من الجلد متوسط الطول خال من العقد غير يابس ولا متعدد الأطراف.

وفي مشروع قانون “حد القذف” فقد أوضح أن المقصود بالقذف هو “الرمي بالزنى بتعبير صريح قولا أو كتابة في حضور المقذوف أو غيبته”، ويعاقب القاذف حدا بجلده ثمانين جلدة، ويترتب على تنفيذ الحد عدم قبول شهادة المحكوم عليه ما لم يتب، وللمحكوم عليه بعد التنفيذ أن يطلب إلى المحكمة إثبات توبته في محضر الجلسة بتكذيبه نفسه في جلسة علنية.

وعن الردة، فقد نص مشروع قانون الحد المتعلق بها، على أن المرتد هو “كل بالغ مسلم أو مسلمة يرجع عمدا عن الإسلام بقول صريح أو بفعل قطعي الدلالة، يجحد به ما يعلمه العامة من الدين بالضرورة ويعاقب حدا بالإعدام. ويشترط أن يستتاب الجاني لمدة ثلاثين يوما ويصر على ردته”.

كما نص على عدم جواز تطبيق الحد في حال توبة الجاني في أي مرحلة من مراحل التحقيق أو المحاكمة وحتى صدور حكم محكمة النقض، كما يسقط الحد بتوبة الجاني قبل التنفيذ.

أما مشروع القانون الخامس، والمتعلقة بالحرابة، فقد نص على أنها جريمة قطع الطريق على المارة بقصد ارتكاب جريمة ضد النفس أو المال أو إرهاب المارة.

ويعاقب مرتكب الحرابة بـ4 عقوبات مختلفة طبقا لمشروع القانون، الأولى قطع اليد اليمنى والرجل اليسرى إذا ترتب على الاعتداء سلب المال دون قتل، الثانية بالإعدام شنقا إذا ترتب على الاعتداء قتل نفس عمدا دون سلب المال، الثالثة بالإعدام شنقا أو بالإعدام ثم الصلب إذا ترتب على الاعتداء القتل عمدا وسلب المال، وأخيرا بالسجن من 3-10 سنوات إذا ترتب على الفعل إرهاب المارة دون قتل أو سلب.

واشترط المشروع لتنفيذ العقوبة، أن يسبقها الكشف على المحكوم عليه طبيا والتحقق من انتفاء الخطورة من التنفيذ، على أن يفذ الحكم بالقطع في مستشفى السجن أو مستشفى عام بواسطة طبيب إخصائي وعملية راحية، ويكون قطع اليد من مفصل الكف، وقطع الرجل من مفصل الكعب.

وأخيرا تناول المشروع السادس حد السرقة، حيث نص على أن مرتكب جريمة السرقة هو كل من أخذ وحده أو مع غيره مالا مملوكا للغير، وفي حال سرقة المنقول فاشترط ألا تقل قيمته عن 55 جنيه وقت السرقة.

وعن العقوبة، فقد نص على أن “يعاقب السارق حدا بقطع يده اليمنى، فإن كانت مقطوعة قبل السرقة عوقب حدا بقطع رجله اليسرى فإن كانت هذه مقطوعة قبل السرقة عوقب تعزيرا بالسجن لمدة لا تقل عن خمس سنوات ولا تزيد على عشر سنوات. وفي جميع الأحوال يحكم عليه برد المسروق إن وجد وإلا بقيمته وقت السرقة.

واشترطت معظم تلك المشروعات على أن يكون الجاني بالغا عاقلا قاصدا ارتكاب الفعل عن علم واختيار حتى يطبق عليه الحد، كما اشترطت ألا يجوز إبدال عقوبة الحد أو تخفيضها، كما لا يجوز العفو عنها.