كثرت الأقاويل والأسئلة حول حياة السيد المسيح -عليه السلام- وما إذا كان قد تزوج وأنجب أو له أشقاء من السيدة مريم العذراء، حيث تكثر الروايات في هذا الشأن بين الأناجيل المختلفة، وكذا المعتقدات المختلفة، إلا أن أحداً لم يتطرق لحياة السيدة مريم بعد صعود النبي عيسى -عليه السلام.
بداية، فإن السيدة مريم مكرمة بذكرها في الكتابين السماويين الإنجيل والقرآن، ولها منزلة كبيرة للغاية عند المسيحيين والمسلمين على السواء، في حين يضعها كثير من الناس في مرتبة سيدة نساء أهل الأرض أجمعين.
ولكن طبيعتها البشرية جعلت البعض يتساءل عن حياتها بعد السيد المسيح، وفي ذلك يقول الباحث روبير الفارس لـ”عرب لايت” إن حياة السيدة مريم بعد صعود ابنها إلى السموات كانت بسيطة للغاية، حيث عاشت مع يوحنا أحد تلامذة السيد المسيح بناءً على وصية الأخير وهو على الصليب، حيث يقول (إنجيل يوحنا ١٩، ٢٦ – ٢٧): “فرأى يسوع أمه وإلى جانبها التلميذ الحبيب إليه. فقال لأمه: أيتها المرأة، هذا ابنك. ثم قال للتلميذ: هذه أمك. ومنذ تلك الساعة استقبلها التلميذ في بيته”.
ويضيف الفارس إن السيدة مريم تفرغت كذلك إلى التبشير بالدين المسيحي مع تلاميذ يسوع، ويُقال إن لها معجزات كبرى خلال هذه الفترة، حتى أثناء رحيلها سردت كثير من الكتب الدينية عدداً من المعجزات الخاصة بطريقة الرحيل نفسها.
من جانب آخر، وما يعضد كلام الفارس ما ذكر في الإنجيل (أعمال الرسل ١، ١٢ – ١٤) عن حياة السيدة العذراء بعد السيد المسيح: “فرجعوا إلى أورشليم من الجبل الذي يقال له جبل الزيتون، وهو قريب من أورشليم على مسيرة سبت منها. ولما وصلوا إليها صعدوا إلى العلية التي كانوا يقيمون فيها، وهم بطرس ويوحنا، ويعقوب وأندراوس، وفيلبس وتوما، وبرتلماوس ومتى، ويعقوب بن حلفى وسمعان الغيور، فيهوذا بن يعقوب. وكانوا يواظبون جميعاً على الصلاة بقلب واحد، مع بعض النسوة ومريم أم يسوع ومع إخوته”.
ويُقال إن مريم لازمت المكان لما تبقى من حياتها تمشي يومياً “درب الصليب” على خطى ابنها، وعلى هذا فإن وفاة مريم حدثت وهي في (القدس)، في حين تختلف الروايات عن المدة التي عاشتها السيدة مريم بعد ابنها، حيث قيل إنها 3 سنوات فقط، بينما يرى القمص تادرس يعقوب ملطي في كتابه “قاموس آباء الكنيسة وقديسيها” إنها عاشت 14 سنة في بيت يوحنا، مضيفاً إن سنين حياتها جميعاً 60، جازت منها 12 في الهيكل، و30 في بيت يوسف النجار، والـ14 الأخيرة في بيت يوحنا.
فيما ترى كتابات أخرى أنها توفيت في سن الـ53، أي بعد 5 سنوات فقط من صعود المسيح عيسى -عليه السلام- كما تحدثت أيضاً بعض الروايات أن قبرها الذي دفنت فيه في دمشق، وليس في القدس.
بينما يرى بعض من المؤرخين الأتراك أن قبر السيدة مريم في مدينة أزمير التركية، وهي الرواية التي ينفيها روبير الفارس بشدة، مؤكداً أن الأتراك ابتدعوا قصة انتقالها إلى هناك من أجل مقصد غير ديني.
أما عن وفاتها، فترى الكنيسة الكاثوليكية أن انتقال السيدة العذراء إلى السماء حدث بالروح والجسد معا، في حين ترى الكنيسة الأرثوذكسية أن انتقال السيدة مريم العذراء قد تم فعلاً، ولكنّه بعد مدة قصيرة جداً من وفاتها، وإن العذراء عندما وافتها المنية كانت في منطقة بستان الزيتون في أرض أورشليم (القدس)، وقد كان شاهداً على وفاتها بعض من تلاميذ السيد المسيح، والذين كانوا إلى جوارها، وكانوا ما يزالون على قيد الحياة، ويقولون بأن جسد العذراء مريم قد بُعثت فيه الروح مجدداً، وذلك بعد ثلاثة أيام من وفاتها، لتنتقل بعد ذلك بروحها وجسدها إلى السماء، ويقال إنها ارتفعت على مرأى من الناس والتلاميذ.