كل شيء في “جزيرة القيامة” غريب ومثير للحيرة، هذا هو ملخص عام لكل ما نعرفه عن تلك الجزيرة الصغيرة الواقعة جنوب المحيط الهادئ، إلا أن أكثر ما يشغل العلماء حتى الآن بشأنها، هو اللغة التي كان يستخدمها أهالي تلك الجزيرة في كتاباتهم، والتي يطلق عليها اسم رونجو رونجو (Ronorongo) حيث فشلت كل محاولات الباحثين في فك طلاسمها!
فقد استخدم سكان الجزيرة الأصليون الذين اختفوا في ظروف غامضة، نظاما للكتابة اكتشف في القرن التاسع عشر، وتشير الأبحاث التي أجريت على ذلك النظام الكتابي أنه كان بمثابة لغة حقيقية لها نظامها ومعانيها، حيث يظهر تناسقا رياضيا في عدد مرات تكرار الرموز والأشكال التي تتضمنها تلك اللغة، وهو ما يجعلها اللغة الوحيدة المتبقية من اللغات الأصلية لسكان جزر المحيط الهادئ.
وبالرغم من إخضاع تلك اللغة للكثير من الدراسات والنظريات التي حاولت فك طلاسمها وترجمة معانيها، إلا أن جميع تلك المحاولات باءت بالفشل حتى الآن، لتظل تلك الرسومات والنقوش سرا يرفض الإفصاح عن معناه.
جزيرة التمثايل الغامضة
“جزيرة القيامة” هي جزيرة بركانية، عثر عليها المستكشف الهولندي “ياكوب رونجينفين” عام 1722 جنوب المحيط الهادئ، في يوم عيد الفصح أو القيامة، فأطلق عليها الاسم ذاته.
وتبلغ مساحة “القيامة” قرابة 163 كيلو متر، وتعتبر واحدة من أكثر الجزر المعزولة المأهولة بالسكان في العالم، حيث تتبع حاليا دولة التشيلي وتعتبر من بين محافظاتها.
اشتهرت الجزيرة بتماثيلها المعروفة باسم “المواي” والتي تنتشر في أرجائها خاصة على شريطها الساحلي، وحتى الآن لا يعرف على وجه الدقة السبب وراء بناء هذه التماثيل الضخمة التي يبلغ طول الواحد منها 32 مترا ووزنه قرابة 50 طنا.
الأبحاث التي أجريت على الجزيرة في القرن العشرين، كشفت أنها كانت مأهولة بشعب غير محدد يعود إلى شعوب العصر الحجري الأخير، قرابة 4500 عام قبل الميلاد، إلا أن كارثة ضخمة، لا يعرف طبيعتها على وجه الدقة، ضربت الجزيرة عام 1680، كانت سببا في اختفاء السكان الأصليين بأكملهم، ولم يعرف إن كانوا رحلوا إلى مكان آخر أم تعرضوا للإب.ادة، كما لم يعثر على رفات لهم!
النقوش المحيرة
في عام 1864 وصل إلى الجزيرة راهب يدعى “يوجين إيراود” ضمن بعثة للتبشير بين سكان الجزيرة الجدد الذين وفدوا إليها من جزر أخرى عقب اختفاء السكان الأصليين، فعثر على عدد من الألواح الخشبية مدونا عليها لغة رمزية غير مفهومة، أطلق عليها اسم “رونجو رونجو”، بينما لم يجد أحدا من قاطني الجزيرة قادرا على فك طلاسمها.
وتتمثل تلك اللغة في أشكال ترمز إلى بعض الطيور والحيوانات ووضعيات مختلفة لجسد الإنسان وبعض الأشكال الهندسية.
ويعتقد أن أهالي الجزيرة الأصليين لم يكونوا جميعا قادرين على الكتابة والقراءة بتلك اللغة، بل كانت حكرا فقط على النخبة، بينما انشغل الغالبية العظمى من السكان في أعمال الزراعة وتوفير الغذاء.
وتميل أغلب الأبحاث التي أجريت على تلك اللغة، إلى أنها كانت مليئة بالأرقام، مرجحين أن أهالي الجزيرة كانوا يسجلون بها تقاويمهم وأنسابهم، فيما يزعم البعض أن تلك النقوش تحمل تنبؤات بالمستقبل.
ومن بين أسباب صعوبة فهم تلك اللغة، أن الأهالي استخدموا قطع الخشب النادرة والقليلة في الجزيرة ليسجلوا عليها لغتهم، ما جعل هناك ندرة شديدة في تلك الكتابات، صعبت من مسألة مقارنتها ودراستها بشكل أفضل لفهمها، حيث لم يتبق سوى قرابة 26 قطعة خشبية فقط تحمل هذه النقوش، منتشرة في المتاحف والمجموعات الخاصة.
اللافت أن الأبحاث الساعية لفهم تلك اللغة لم تتوقف أبدا، حيث لايزال الكثير من العلماء يسعون وراء فك طلاسمها وترجمة معانيها، كما أن هناك محاولات فردية يقوم بها بعض مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي لفك شفرة تلك اللغة معتمدين على تفسيراتهم الخاصة.
الثابت، أن لغة “رونجو رونجو” تعد واحدة من أربع أنظمة مستقلة للكتابة في العالم كله لا ترتبط بأي جذور للغات شهيرة، كما تعتبر آخر لغة حية تندثر من على وجه الأرض.