قد لا يعلم الكثيرون أن ظهور التصوير في أوروبا في بدايات القرن التاسع عشر، ارتبط بشكل كبير بفكرة الموت، حيث سرعان ما بات التصوير هو الوسيلة الأكثر فعالية لتخليد ذكرى الميت.
فقد اعتادت العديد من الأسر في أوروبا خاصة في إنجلترا، اللجوء إلى وسيلة لا يمكن وصفها بغير المرعبة بمقاييس اليوم، لتكريم أحبائهم من الموتى، حيث اعتادوا تصوير الميت عقب وفاته مباشرة وهو في كامل أناقته لتذكره بعد وفاته والاحتفاظ بصورته لكي تؤنس ليل محبيه، ومع الوقت بات المصورون يتفنون في طرق إظهار الميت وكأنه على قيد الحياة، حتى لو استدعى ذلك خيط عيني الميت حتى تظل مفتوحتان!
وحفل ما يعرف بالعصر الفكتوري بصور تسجل ممارسات مرعبة، كانت أغلبها مرتبطة بالأطفال الموتى، حيث كان يصعب على أسرهم تقبل فكرة وفاة طفل رضيع أو صبي صغير، فكانوا يسارعون بتصويره قبل الدفن، بحسب صحيفة “ديلي ميل” البريطانية.
فنجد صورة لأم وهي تتكئ على كتف ابنتها المتوفاة، أو صورة لمتوفي جالس في كامل أناقته على كرسي مسندا رأسه على راحة يده حتى يظهر وكأنه على قيد الحياة، أو صورة عائلية لمجموعة من الأشخاص يتوسطهم شخص مغمض العينين، لأنه ببساطة ميت!
كما أن الأمر لم يتوقف على البشر فقط، بل اعتادت بعض الأسر التقاط الصور التذكارية مع حيواناتها الألفية قبل دفنها، خاصة الكلاب.
وكانت تتم العديد من الإجراءات قبل عملية التقاط الصورة، حيث يتم تنفيذ عدة خطوات لإظهار المتوفي في أبهى صوره وهو يرتدي أجمل ملابسه على الإطلاق، كما كان يوضع الحلي للمرأة المتوفاة وعمل تسريحة شعر أنيقة لها توحي وكأنها متوجهة لحفلة تحضرها الملكة! ولك أن تتخيل مأساوية عملية التحضير تلك وبشاعتها.
وتقول شبكة “بي بي سي” البريطانية، إن إنجلترا في أوساط القرن التاسع عشر كانت غارقة في الموقت، في ظل انتشار الأوبئة التي كانت تحصد أرواح الآلاف، مثل الدفتيريا والتيفوس والكوليرا، حتى بات للحداد والعزاء موضات خاصة يجب اتباعها وتقاليد لا يمكن فصلها عن الحياة اليومية العادية!
وتضيف أنه نتيجة ترسخ فكرة الموت في عقلية البريطانيين في ذلك الوقت، فقد اعتادوا أخذ خصلات من شعر الميت كتذكار وعمل قطع الحلي منها مثل الخواتم أو رابطة الشعر، كما اعتادوا صنع أقنعة للأموات من الشمع، واعتادوا تجسيد الموت في اللوحات الفنية والتماثيل، وبعد ظهور التصوير بعدة سنوات، وعندما بدأت أسعاره تصبح معقولة، سرعان ما أدخله البريطانيون كوسيلة جديدة لتقديس الموت.
ومع الوقت صارت صور الأموات من الأمور الشائعة والتقليدية في إنجلترا، خاصة في دور رعاية الأطفال، حيث كانت تنتشر الحصبة والحمى القرمزية التي كانت عادة ما تتسبب في وفاة الأطفال، حتى أن بعض الدور كانت تتعاقد مع مصور يعمل لصالحها بشكل دائم لتصوير الأطفال الموتى!
إلا أنه مع شيوع التصوير بشكل أكبر وانتشار الكاميرات الخاصة، وانتشار صور الأحياء بشكل أكبر، بدأ سكان إنجلترا يشعرون بصعوبة كبيرة في تقبل صور آبائهم وأجدادهم الموتى، لتنتهي هذه العادة إلى غير رجعة.