عندما تم الكشف عن الهرم الزجاجي لأول مرة في مدخل متحف اللوفر بالعاصمة الفرنسية باريس، شعر الكثيرون بالصدمة، معتبرين أن شكله الهندسي لا يتناسب مع الصورة الذهنية للمتحف الأشهر على مستوى العالم، ولكن الآن وبعد مرور 30 عاما على بنائه، أصبح الهرم الزجاجي بمثابة سببا رئيسيا في جعل متحف اللوفر المتحف الأكثر زيارة على مستوى العالم!
فعندما أعلن المهندس المعماري الصيني “ليو مينج بي” عن خططه لوضع هرما زجاجيا في مدخل متحف اللوفر، لم يتقبل الكثيرون هذه الفكرة، وشعروا أنها غير مقبولة وسيتم إزالة الهرم بعد وقت قصير من بنائه.
وبحسب شبكة “فرانس 24″، كشف المهندس الصيني عن شكل الهرم للمرة الأولى عام 1984 قبل سنوات من بنائه الفعلي، ليتعرض لسيل من الانتقادات في الصحافة الفرنسية، حيث اعتبره الكثيرون “مؤذي للعين” و”نكتة معمارية”، كما رأى البعض أنه “محاولة لإقحام رمز الموت في الحضارة المصرية في قلب باريس”، بل وصل الأمر إلى أن نقاد قالوا إن بناء هرم في مدخل المتحف ما هو إلا “حماقة مصابة بجنون العظمة فرضها فرانسوا متيران” الرئيس الفرنسي في ذلك الوقت.
كما اتهم البعض متيران بخلط السياسة بالثقافة، واعتبروا أن تكليفه للمهندس الصيني للقيام بهذا العمل ليس فقط إسراف هائل في شيء غير ضروري، ولكن أيضا فعلا قد يكون له تداعيات على سمعة فرنسا الثقافية على المستوى الدولي.
كانت السنوات الأولى خلال بناء المشروع صعبة على المهندس الصيني، حيث يقول “ليو مينج بي” في فيلم وثائقي إن 90% من الشعب الفرنسي كان يرفض الفكرة عندما تم الإعلان عنها للمرة الأولى، معتبرا أن السنة الأولى من العمل كانت بمثابة جحيم حيث لم يكن يستطيع المشي في شوارع باريس دون أن يطارده الناس بنظراتهم وكأنهم يصرخون في وجهه متساءلين: “ماذا تفعل هنا؟ ماذا تفعل بمتحف اللوفر العظيم؟”.
عملية البناء تصادفت مع إجراء الانتخابات الرئاسية، وكان يخشى من سقوط متيران وعدم تمكنه من الفوز بفترة رئاسية جديدة، وهو ما كان يهدد استمرار المشروع، لذلك قام المهندس الصيني بتغيير مراحل عملية البناء والبدء بالهيكل الزجاجي الخارجي أولا قبل بناء القاعدة، حتى يصعب من عملية تخلي الفرنسيين عن المشروع في حال خروج متيران من السلطة بعدما بات الهرم أمرا واقعا، إلا أن متيران فاز في الانتخابات واستمر المشروع.
واستطاع المهندس الصيني تنفيذ حلمه، حيث تمكن من بناء هرم يبلغ ارتفاعه 22 مترا، اشتمل على 70 لوحا زجاجيا مثلث الشكل، و603 لوحا على شكل أحجار كريمة، كما استخدم عددا من متسلقي الجبال المدربين للقيام بعملية تنظيف زجاج الهرم بشكل دوري.
“ليو مينج بي” كان مصر على أن يكون الهرم شفافا قدر الإمكان، وهو ما تسبب في استغراق عملية البناء وقتا أطول، بعدما قضى وقتا يبحث عن الزجاج المناسب الذي يتمتع بأكبر قدر من الشفافية وأكبر قدر من الصلابة في الوقت ذاته.
وفي 4 مارس 1989 افتتح الرئيسي الفرنسي الهرم الجديد، ولكن لم يسمح للجمهور برؤيته إلا في يوم 29 من الشهر ذاته، وكانت المفاجأة، أنه سرعان ما تبنى سكان باريس والسائحون التصميم الجديد وشعروا كم كان المهندس شجاعا عندما أصر على تنفيذه، ليصبح الهرم منذ ذلك الوقت بمثابة كنز قومي لفرنسا لا يمكن تخيل متحف اللوفر بدونه.
ويقول المدير الحالي لمتحف اللوفر “جان لوك مارتينيز” أن وجود الهرم الزجاجي كان سببا رئيسيا في النمو المطرد في زيارة المتحف، كاشفا أنه خلال العام الماضي مر 10 ملايين شخص عبر أبواب المتحف، مقارنة بـ3.5 مليون فقط في عام 1989.
وأضاف في تصريحات صحفية مؤخرا، أن الهرم نقل المتحف إلى زمن الحداثة الفنية، معتبرا أنه بمثابة “ثورة وضعت الزائر في قلب المتحف قبل أن يمر من أبوابه”، متابعا: “فكرة الهرم لم تكن مجرد لفتة مثيرة، بل كان لها غرض عملي ووظيفي، وهو إنشاء مدخل رئيسي ومركزي للمتحف يساعد على حركة الزوار، ووجود الهرم استطاع جذب الزوار إلى هذا المدخل الرئيسي المستحدث وساعد على تنظيم الحركة بشكل كبير”.
وبمناسبة الاحتفال بمرور 30 عاما على إنشائه، قام الفنان الفرنسي “جيه آر” بوضع ملصق ضخم حول الهرم الزجاجي سيخلق وهما بصريا لمن يراه وكأن الهرم مكتشف من خلال التنقيب الأُثري، وهو ما جذب المزيد من الزوار لمشاهدة هذه الخدعة البصرية الجذابة.