وقف الآلاف من الفرنسيين والسائحين يوم الاثنين 15 أبريل 2019، على حافة نهر السين، وهم يشاهدون ألسنة اللهب تلتهم كاتدرائية نوتردام الشهيرة في قلب العاصمة الفرنسية باريس، بعدما اجتاحت النيران الجزء العلوي منها بما في ذلك برجى الجرس والمستدقة التي لم تتحمل النيران فانهارت، في مشهد لن ينمحي بسهولة من أذهان الكثيرين.
ولكن وسط الحريق، كانت هناك بعض الأخبار الجيدة، فقبل اندلاع الحريق الهائل بأربعة أيام، تم إنقاذ ونقل مجموعة من التماثيل الدينية من أعلى المبنى، لأول مرة منذ أكثر من قرن، كجزء من خطة إصلاحات استهدفت المبنى وفقاً لتقارير وكالة “أسوشيتد برس”، وهي عملية الإزالة التي أثارت الكثير من الجدل على مواقع التواصل الاجتماعي بعد الحريق، حيث ربط البعض بينها وبين نبوءة قديمة عن حماية الكاتدرائية والتاريخ المتوقع لاختفائها!
ففي يوم الخميس 11 أبريل 2019، وباستخدام رافعة طولها 100 متر، تم إنزال 16 تمثال نحاسي -بلغ وزن كل منها 500 رطل- لتجديدهم، ونقلت بعد إنزالها إلى جنوب غرب فرنسا للعمل عليها كجزء من عملية الترميم بتكلفة بلغت 6 مليون يورو، فيما خُزنت معظم الآثار المقدسة في مخزن داخل الكاتدرائية التي كانت في طور التجديد الشامل قبل الحريق، نتيجة ظهور التآكل على المبنى في السنوات الأخيرة وتساقط بعض القطع الحجرية، وفقاً لصحيفة نيويورك تايمز.
كان قد تم وضع هذه التماثيل أثناء عملية الترميم وإعادة البناء الشاملة التي شهدتها الكاتدرائية خلال عامي 1859 و1860، والتي أشرف عليها المهندس المعماري يوجين فيوليت لو دوك، الذي استخدم ملامحه الشخصية ضمن أحد نماذج التماثيل وبالتحديد في تمثال “القديس توما”.
كان يوجين مهندسًا معماريًا متخصص في الطراز القوطي الذي صممت به الكاتدرائية، واشتهر بترميماته الإبداعية في الكثير من المباني، وكان من أكثر الأشياء اللافتة التي أضافها خلال عملية ترميم الكاتدرائية هي تماثيل الجرغول gargoyles، وهي منحوتات لمخلوقات غريبة وبشعة الشكل، حرص على وضعها في العديد من الأماكن المرتفعة داخل واجهات الكاتدرائية الأربعة، وهو ما عرضه لهجوم شديد، حيث اتُهم بتخريب التاريخ وتشويه الكاتدرائية.
وعندما أزيلت التماثيل الأسبوع الماضي، كانت هذه هي المرة الأولى منذ ستينيات القرن التاسع عشر التي تمكن خلالها الخبراء من الحصول على نظرة عن قرب للتماثيل.
نذير شؤم.. وتنبؤات بالحريق
وبينما يرى خبراء الترميم والعديد من المسؤولين الفرنسيين، أن مصادفة إنزال التماثيل لترميمها كانت كالمعجزة التى أنقذت معظم الأعمال الفنية والتحف الدينية الموجودة بالكاتدرائية، كان لآخرون رأى مغاير تماماً، حيث اعتقدوا أن بدء إزالة تماثيل المبنى كان نذير شؤم أفضى إلى الحريق بعدما جلب اللعنة على الكاتدرائية!
حيث عبر العديد من الفرنسيين عبر مواقع التواصل الاجتماعي، عن اعتقادهم بأن هذه التماثيل كانت تحمى الكاتدرائية من أي سوء، ويبدو أنهم استنبطوا هذه الفكرة من أسطورة فرنسية قديمة عن تماثيل الجرغول، والتي تزعم أنه تم نحت هذه التماثيل على شكل تلك المخلوقات المخيفة، لترهب وتطرد الأرواح الشريرة عن الكاتدرائية، حيث استخدمت تماثيل الجرغول في كثير من الأحيان لتقف متربصة للشر خارج جدران الكنائس ولتمنع غير المرغوب فيهم من دخول المكان، وأكد الكثيرون أن إزالة هذه التماثيل كان هو السبب المباشر في وقوع الحريق لأن نوتردام فقدت من كان يحميها من قوى الشر!
وبالرغم من أن عملية الإزالة شملت إنزال 16 تمثالا نحاسيا للرسل الاثني عشر وأربعة مبشرين، ولم تشتمل على إنزال أي من تماثيل الجرعول الحجرية، إلا المروجين لهذه الأسطورة رأوا أن مجرد البدء في إزالة التماثيل أيقظ اللعنة!
وحفلت مواقع التواصل بانتقادات عدة لأصحاب هذا الرأي، حيث رد عليهم آخرون بقولهم إن هذه التماثيل لم تكن سوى نوع من الفنون كان منتشراً لفترة ما، يحاول أصحابها تخيل شكل الشياطين والكائنات الشريرة، وتمثيل الظواهر الخارقة للطبيعة الذي اعتقدوا وجودها، وتغيرت هذه المفاهيم بمرور الزمن، فيما رأى فريق ثالث أن هذه التماثيل صممت لنقل مياه الأمطار من السقف بعيدا عن جوانب المبنى لحمايته من التآكل، حيث عادة ما كانت تخرج المياه من أفواه تلك التماثيل.
ولكن لم تتوقف التعليقات حول التماثيل فقط، بل امتدت لتشمل ما اعتبره البعض نبوءة الكاتب فيكتور هوجو لحريق كاتدرائية نوتردام في روايته الشهيرة “أحدب نوتردام”، والتي صدرت للمرة الأولى عام 1831، وبحسب صحيفة “جارديان” البريطانية فقد تزايد الطلب على شراء الرواية بعد الحريق، وانضمت إلى قائمة أفضل الكتب مبيعا على الإنترنت في فرنسا.
كذلك انتشر فيديو لمشهدا من فيلم “Before Sunset” الذي عرض قبل 15 عاما، تقول بطلته “إن كنيسة نوتردام سوف تختفي يوما ما”، واعتبر رواد مواقع التواصل الإجتماعي، أن هذا المشهد تنبأ بالحريق الذي كاد يقضي على الكاتدرائية الشهيرة بالعاصمة الفرنسية باريس.
فيما ينتظر كثير من الفرنسيين نتائج التحقيقات التي تجرى حاليا لمعرفة السبب الحقيقي وراء الحريق، للرد على أصحاب هذه الآراء والتأكيد على أن كل ما أثير حول سبب الحريق لم يعد كونه تخيلات وأساطير.