العمالقة لديهم مكانة خاصة في ذاكرتنا، ولطالما كنا محاطين بقصص عن هذه الكائنات الأسطورية، فمنذ العصور القديمة تحدث الناس وكتبوا عن أشخاص أطول وأقوى من الإنسان العادي، كما وجدت اكتشافات مثيرة للجدل لهياكل عظمية يتراوح طولها بين 7 إلى أكثر من 9 أقدام، وهو ما دفع الكثيرين للإيمان بأن العمالقة عاشوا يوما على هذه الأرض.
أما عن مصر القديمة، فإنه يحلو للبعض الزعم بأن كثيرا من المصريين القدماء كانوا عمالقة ضخام الأجسام، وهو ما مكنهم من بناء هذه الصروح والمعابد والأهرامات العملاقة التي لا مثيل لها في العالم، كما اعتمدوا في زعمهم على الجداريات التي تظهر الفراعنة طوال الأجسام وضخام من باب التعظيم والتبجيل، وبالرغم من أن هذا القول لا يستند إلى أي أساس علمي، إلا أن حالة الفرعون “ساناخت” تظل هي الأكثر إثارة للجدل ومدعاة للدراسة والبحث.
الفرعون الغامض
فقد عثر على هيكل عظمي عام 1901، على بعد حوالي 70 ميلا شمال غرب مدينة الأقصر، حيث أظهرت الفحوصات الأولية أن الهيكل تظهر به حالة ضخامة استثنائية، وهو ما دفع العلماء حينها للقول بأن هذا الهيكل قد يكون أقدم حالة لعملاق معروف في العالم.
ويُعتقد أن الهيكل العظمي العملاق الذي عثر عليه في ذلك التاريخ يعود إلى أحد فراعنة الأسرة الثالثة، ويدعى ساناخت “Sanakht”، وهو شخصية غامضة إلى حد ما، ولا نعرف عن حياته الكثير، فلا يعرف على وجه الدقة متى قام باعتلاء السلطة؟ ولا المدة التي قضاها في الحكم، ولا حتى ملابسات حياته التي لاتزال مبهة حتى الآن.
** اقرأ أيضا: سر التماثيل الفرعونية التي عثر عليها مدفونة تحت رمال كاليفورينا!
وفي اللغة المصرية القديمة يتم كتابة اسم الفرعون بـ Hor-Sanakht أو Nakht-Sa، ولم يذكر أي شىء عن نسبه في كتاب “تاريخ مصر القديمة” الذى ألفه المؤرخ المصري القديم مانيتون.
ويعتقد بعض علماء المصريات أن ساناخت، لديه اسما آخر هو Nebka، وهو الحاكم المصري القديم الذى تم إدراج اسمه في قائمة Ramesside لملوك تلك الحقبة.
ووفقًا لبعض السجلات التي لم يقطع بصحتها، فقد حكم ساناخت مصر لمدة 18 عامًا، ونتيجة لنقص المعلومات عن عهده، فلا تزال تفاصيل أنشطته كحاكم غير معروفة.
الحاكم العملاق
ويدعي “مايكل هابشت” من معهد الطب التطوري بجامعة زيورخ، أن ساناخت قد يكون أقدم حالة من حالات العملقة التي وجدت على الإطلاق، فحسب رفاته، يبلغ طوله 1.87 متر (6.14 قدم)، وبالرغم من أن هذا الطول بالنسبة لنا في الوقت الحاضر لا يعد أمرا استثنائيا، إلا أنه كان كذلك في الماضي، حيث كان متوسط أطوال سكان مصر آنذاك 5 أقدام و6 بوصات على أقصى تقدير، بالإضافة إلى أن عظام الهيكل العظمي لساناخت كان بها تضخم واضح.
** اقرأ أيضا: جواز سفر باسم “رمسيس الثاني”.. رحلة مومياء الملك الأخيرة!
وأشار هابشت إلى أن أطول فرعون مصري قديم تم تسجيله، كان بعد ساناخت بألف عام تقريبا، حيث كان يبلغ طوله 5 أقدام و9 بوصات، أي 1.75 مترا تقريبا، كما كان ساناخت أطول بكثير من رمسيس الثاني (5 أقدام و9 بوصات)، والذي كان حتى وقت قريب واحدًا من أطول الفراعنة المصريين.
كما أفاد هابشت بأن الحاشية الملكية كان يتمتع معظم العاملين فيها بالقامة القصيرة، وقد يكون سبب اختيارهم لأداء تلك المهام هو قصر قامتهم، حتى لا يرفعوا أعينهم في وجه سادتهم.
ولقد ظهر اسم ساناخت على جزء من حجر رملي تم اكتشافه في وادي مغارة بسيناء، بالقرب من مناجم الفيروز والنحاس، يظهر فيه الملك مرتديا التاج الأحمر لمصر السفلى، كما يظهر اسمه أيضا داخل هرم صغير في جزيرة إلفنتين بأسوان.
إلهام الطب الحديث
التفسير الأولي الذي يتبادر إلى الذهن حول أسباب عملقة ساناخت، هي أنه كفرعون، كان يتغذى بشكل أفضل ويعيش في ظروف أفضل من باقي المصريين وهو ما ساعده على اكتساب بنية قوية، لكن هذا لا يمكن أن يفسر حالة العظام المتضخمة في جسمه، والتى يعتبرها العلماء علامة واضحة على العملقة، كما أنه يعد حالة غير شائعة بين باقي الفراعنة الذين حظوا أيضا بهذا النظام الغذائي الجيد دون أن يكون له تأثير واضح على طول قاماتهم.
أما في العصر الحالي، فإن العملقة تعتبر حالة طبية معروفة ترتبط بإفراز جرعات عالية من هرمون النمو في جسم الإنسان، ويمكن أن تحدث بسبب عوامل مثل الطفرة الجينية أو ورم في الغدة النخامية، وليس غريبا بالنسبة لنا أن نرى أشخاصا أصحاب أطوال كبيرة في وقتنا الحاضر.
** اقرأ أيضا: تاريخ مصر الخرافي.. أحداث خيالية وملوك أسطوريين لم يحكموا أبدا
إلا أن الأمر كان مختلف في الماضي، حيث كان يسهل على الناس تخيل وجود أسباب غامضة وخارقة وراء طول قامة ذلك العملاق، خاصة إذا كان هذا الشخص الطويل هو الفرعون نفسه.
وفي كلا الأحوال، فإن الفرعون العملاق يمثل فائدة كبرى لدراسات الطب الآن، فكما أخبر مايكل هابشت مجلة “لايف ساينس”، فإن دراسة تطور الأمراض عبر القرون له أهمية كبيرة في الطب الحديث، وخاصة إذا لاحظنا الطريقة التي يتطور بها المرض أو يتحول إليه، فيمكننا بذلك تعلم شيء يمكن أن يساعدنا في إيجاد علاج له، لذلك ربما في المستقبل، سيكون للفراعنة والقصص القديمة عن العمالقة علاقة بالطب أكثر من التاريخ.