على مر السنين، ظل المصريون القدماء يبهرون العالم بحضارة لا مثيل لها، تفوقت وازدهرت لتصنع المجد المحتفظ ببريقه منذ آلاف السنين وحتى الآن، وفي كل يوم يزاح الستار عن معجزة جديدة تكشف عظم القدماء المصريين، وتاريخهم الذي لا ينتهي.
ومن بين هذه المعجزات، اكتشاف أسطول من القوارب في قلب الصحراء، يبعد 8 أميال عن نهر النيل غرب مدينة البلينا بسوهاج، ويعد واحدا من أكثر الاكتشافات تميزا على الإطلاق في الآثار المصرية.
الاكتشاف المثير الذي ظل حبيسا تحت الرمال لمدة 5 آلاف عام أطلق عليه “قوارب أبيدوس”، وهي مجموعة من المراكب يبلغ عددها 14 مركبا تنتظم في صفوف متوازية، مما يوحي بأن المنطقة كانت ميناء أو ربما كان يمر نهر النيل من هناك، خاصة وأن النيل غير مساره أكثر من مرة، ولكن تزداد الدهشة عندما نكتشف أن النهر لم يمر أبدا من هناك، ما يدفعنا للتساؤل: وكيف جاءت تلك القوارب إلى جوف الصحراء إذن؟!
مقابر لمراكب شمسية
ففي 31 أكتوبر عام 2000 م، قامت بعثة لعلماء الآثار من متحف جامعة بنسلفانيا وجامعة ييل ومعهد الفنون الجميلة في جامعة نيويورك، بإعلان اكتشافها لقوارب شمسية ملكية في أبيدوس، بمنطقة “شونة الزبيب” بعد قرابة ميل واحد من المقابر الملكية، ويجمع علماء الآثار على أن أبيدوس كانت عاصمة مصر الأولى في نهاية عصر ما قبل الأسرات وعصر الأسرات الأربع الأولى.
القوارب لوحظت لأول مرة عام 1988م نتيجة آثار خطوط طولية في أرض طينية مغطاة بالرمال، وبعد إجراء الأبحاث، اكتشفوا أنها دلائل لقوالب طينية، يحوي كل قالب منها على قارب خشبي مدفون في قلب الصحراء يرجع تاريخه إلى عصر ما قبل الأسرات، لكن لم يتم إجراء أي أعمال تنقيب في البداية، لهشاشة حطام القوارب وعدم توفر الإمكانية والتمويل اللازم لبدء أعمال التنقيب، حتى جاءت البعثة في عام 2000 وحققت ذلك الاكتشاف الهام.
** اقرأ أيضا: العمر الحقيقي لأبو الهول.. حارس الأهرامات قد يكون أقدم مما نتخيل!
وتعد منطقة “شونة الزبيب” الجبانة الخاصة لملك الأسرة الثانية 2700 ق.م “خع سخم وي”، مما دفع فريق البحث في البداية لاعتقاد أن تلك السفن خاصة بالملك، لكنهم ما لبثوا أن اكتشفوا أنها دفنت بتلك المنطقة قبل عصر هذا الملك بقرون، لحاكم يعود إلى سلالة أقدم من الأسرة الثانية، وربما يكون من أوائل السلالات التي حكمت مصر على الإطلاق حوالي 2920 ق.م، لتساعده على الإبحار الى العالم الآخر، فتلك القوارب تسبق قوارب الشمس التي عثر عليها بالقرب من هرم خوفو في الجيزة بحوالي 300 عام تقريبا، وفقا لما ذكره موقع ancient-origins، ما يجعلها أقدم مراكب مكتشفة في التاريخ حتى الآن,
وأظهرت الدراسات التي أجريت عقب الاكتشاف أن “قوارب أبيدوس” ليست مجرد قوارب مصنوعة من القصب، بل سفن تجديف حقيقية مع أماكن مخصصة للمجاديف، ويمكن لكل مركب أن يستوعب قرابة 30 مجداف، كما أن أسلوب بناءها فريد من نوعه، وفقا لخبيرة القوارب “شيريل وارد”، حيث بلغ طولها من 18-24 مترًا (59-78.7 قدمًا) وعرضها 2-3 أمتار (6.6-9.8 قدمًا) وعمقها حوالي 60 سم (23.6 بوصة) أي حوالى قدمين فقط، مع وجود ضيق بالقوارب عند الأطراف، ووجد عليها بعض من الطلاء الأصفر، حسب ما ورد على موقع egyptorigins.
براعة المصرى القديم
وصرح المدير العام للبعثة التي اكتشفت القوارب “ماثيو آدامز”، إن نوعية الخشب المستخدم في صناعة هذه القوارب تقدم الكثير من المعلومات عن بدايات الحضارة المصرية، فعندما يتم تحديد نوع الخشب يصبح العلماء قادرين على معرفة مكان نشأته بالتحديد، وهو ما يفتح نوافذ جديدة للاطلاع على طبيعة التجارة والسياسة والعلاقات الدولية في مصر في تلك الفترة.
** اقرأ أيضا: لماذا تمتلك العديد من التماثيل المصرية القديمة أنوفا محطمة؟
وأضاف عالم الأثار “ديفيد أوكونور” -رئيس بعثة التنقيب عن “مراكب أبيدوس”- قائلا: “قبل هذا الاكتشاف المثير، لم نكن نعلم الكثير عن طبيعة القوارب التي كان يستخدمها المصريون القدماء قبل عهد خوفو – أحد أهم ملوك الأسرة الرابعة وباني الهرم الأكبر بالجيزة – فهذا الاكتشاف قدم أدلة جديدة على حجم الثروة والقوة والبراعة التكنولوجية التي كان يمتلكها ملوك عصر ماقبل الأسرات”.