تعد قصة “وليام الفاتح” واحدة من القصص التي تمثل نموذجا لنهايات الملوك المآساوية التي يصادفها بعضهم في أواخر أيامه، بعد حياة مليئة بالترف والبزخ والسلطة والجاه الذي لا يعرف حدودا، والأكثر غرابة من ذلك هي قصة جثمان ويليام الذي لاقى مصيرا غير متوقع حالفه فيه الحظ السيء حتى بعد دفنه ومواراته الثرى.

كان “ويليام الفاتح” دوق نورماندي بفرنسا في الفترة ما بين عامي 1035م إلى 1087م كما أصبح ملكا على إنجلترا من 1066م وحتى وفاته في 1087م.

اشتهر الملك وليام بأنه كان يأكل مثلما يأكل الملوك عادة، أي بشراهة كبيرة، فأخذ وزنه في الزيادة وبدأ يتحول إلى شخص بدين مع تقدمه في السن، وفي عام 1087م خرج في حملة عسكرية، فتسببت بدانته في نهايته المحتومة، حيث تعرض لإصابة بليغة عندما جمح حصانه فجأة وأوقعه، فسقط عليه واخترق السرج بطنه ثاقبا أمعاءه، فسافر على إثر تلك الإصابة إلى (روان) حيث أمضى 6 أسابيع عسيرة وهو يُحتضر، بينما يحيط بسريره الفرسان والنبلاء ورجال الدين والأطباء.

دوق نورماندي ويليام الفاتح

وحيدا في القصر

في اليوم التاسع من شهر سبتمبر بنفس العام، توفي الملك (ويليام الفاتح)، وخلت غرفته من النبلاء والفرسان، وقام الحاضرون من الطبقة الدنيا بالاستحواذ على الأسلحة والأواني والملابس والأقمشة وكل الأثاث الملكي، وفروا مسرعين تاركين جثة الملك عارية تقريبا على أرضية المنزل ليوم كامل، كما يقول موقع mercedesrochelle.

** اقرأ أيضا: لغز العملة الإنجليزية التي كتب عليها الملك أوفا: لا إله إلا الله

وكانت تلك مشكلة كبيرة، حيث لم يكن هناك أي أحد مقرب من الملك ليعمل على أن يتم دفنه بشكل لائق، ما عدا الفارس الطيب (آنتر هيرلوين) الذي تكفل بكافة مصاريف الدفن، فقام باستئجار أشخاص على نفقته الخاصة من أجل القيام بأعمال التحنيط ونقل جثة الملك، وكذلك استأجر نعشا وعربة لنقل الأموات وأمر بنقل الجثة داخلها إلى مرسى نهر السين، وحملها على متن قارب لينقلها من هناك إلى مدينة (كاين) في نورماندي.

الحظ العثر يلاحق الملك

وبعد أن وصل الجثمان إلى (كاين)، كان قد عانى من التحلل وانتفاخ المعدة لطول المسافة، وتم تأجيل الجنازة بسبب اندلاع حرائق مهولة في المدينة، مما دفع معظم السكان إلى الهرع لإطفائها وترك الجثمان مع الرهبان، ولكن لم يتوقف الحظ العثر عند هذا فقط، فأثناء الجنازة صاح أحد الرهبان بأن تلك الأرض المراد فيها دفن الجثة هي ملكا لعائلته وأخٌذت قسرا من قبل ويليام، فرفض دفن الجثمان بها.

ووفقًا لـ David C. Douglas، مؤلف كتاب William The Conqueror: The Norman Impact Upon England 1992، فإنه بعد مفاوضات مع الراهب وإعطاؤه تعويض مناسب، سمح بدفن الجثمان في الكنسية، ونتيجة لذلك التأخير انتفخت جثة الملك المتوفى بشكل كبير بسبب الحرارة، وعندما حاولوا إنزالها لوضعها داخل القبر الحجري وجدوا أن حجم الجثمان تضخم ولم يعد القبر يتسع له، وفي نهاية المطاف انفجرت أحشاؤه المنتفخة وخرجت منها رائحة كريهة أزعجت الحاضرين، وفشلت كل الوسائل لإخفاء تلك الرائحة، ولذلك تم إنهاء مراسم الدفن على عجلة.

** اقرأ أيضا: 6 أسرار عن حرس ملكة إنجلترا أصحاب القبعات السوداء

وأخيرا وبعد عملية الدفن المهينة، لم يرقد (ويليام) بسلام حيث تعرض قبره للنبش 3 مرات، واحدة بأمر من البابوية، وأعيد دفنه بعدها، ومرة على يد الكالفينيين، ثم مرة ثالثة أثناء الثورة الفرنسية وهي المرة التي شهدت اندثار عظام الجثمان بأكملها باستثناء عظم الفخذ الذي لايزال موجودا حتى الآن.

لوحة تسجل لحظة ترك جثمان الملك وحيدا في القصر بعدما تخلى الجميع عنه

نهاية مختلف عليها

ووفقا لكتاب المؤرخ الإنجليزي (أوردريك فيتاليس) بعنوان “ecclesiastical the history”، اعترف الملك ويليام أثناء احتضاره بكل ما اقترفه خلال فترة حكمه ووصف ما كان يفعله بـ”المريع”، ويسرد الكاتب أيضاً أن الملك أمر بتوزيع ثروته على الكنائس والفقراء اعترافا منه بأحقيتهم فى أمواله وهو على فراش الموت.

لكن مؤرخي العصر الحديث يشكون في صحة هذا الخطاب مثلما أورده المؤرخ الإنجليزى (ديفيد باتس) في كتابه بعنوان “ويليام الفاتح” قائلاً : “يروي لنا (أوردريك) كيف أن الملك ويليام عبر عن أسفه وندمه على الدماء التي سفكها كجزء من اعترافاته بذنوبه على فراش الموت، على الرغم من أن الخطاب كله من نسج خيال (أوردريك) على حد علمنا، وأنه عبارة عن نسخة فاضلة عما اعتقد أنه وجب حدوثه، فروايته بدون شك تدل على إنه صدَّق بحصول (ويليام) على نهاية جيدة”.