تعلمنا في مناهجنا الدراسية على مر الأجيال بأن عالم الآثار الفرنسي “جان فرانسوا شامبليون” هو أول من فك رموز اللغة الهيروغليفية القديمة بعد العثور على حجر رشيد، إلى أن جاء الباحث المصري “عكاشة الدالي” المحاضر بجامعة لندن، ليعلن في كتابه “الألفية المفقودة، مصر القديمة في كتابات العرب” أن العرب كانت لهم معرفة ببعض حروف اللغة الهيروغليفية في القرن التاسع الميلادي، كما أنه عثر في مكتبات عدة على مخطوطات تضم عدة اجتهادات ترجع معظمها للباحث العربي “ابن وحشية النبطي” الذي حاول بشكل علمي فك رموز الهيروغليفية.

أحمد بن أبي بكر بن وحشية النبطي، هو عالم كيميائي ولغوي عراقي مسلم عاش خلال القرنين التاسع والعاشر الميلادي، وله العديد من المؤلفات في الكيمياء والسحر، كما ألف كتاب “الفلاحة النبطية” الذي يعدّ من أشهر المؤلفات الزراعية القديمة، وترجم مؤلفه “شوق المستهام في معرفة رموز الأقلام” عن أنظمة الكتابة القديمة إلى الإنجليزية ونشر في لندن عام 1806.

حجر رشيد – المتحف البريطاني بلندن

ابن وحشية يسبق الأوروبيين

ومؤخرا تم إجراء بحث حول كتاب “شوق المستهام في معرفة رموز الأقلام”، فوجد أنه يتناول 89 لغة قديمة وكتاباتها ومقارنتها بالعربية ومن ضمنها اللغة الكردية والهيروغليفية، وقد اكتشف “ابن وحشية” أن الرموز الهيروغليفية عبارة عن رموز صوتية وقام بتحليل العديد من رموزها وذلك قبل اكتشاف شامبليون، حتى أن المستشرق النمساوي “جوزيف فون هامر” نشر تحقيقا عام 1806 يحتوي على ترجمة إنجليزية للكتاب، كما نشر المستشرق الفرنسي “سلفستر دي ساسي” دراسة عن الكتابة بالفرنسية عام 1810، مما جعل البعض يظن بأن “شامبليون” كان قد اطلع على هذه الترجمات قبل اكتشافه للحجر عام 1822 إلا أنه لا توجد دلائل تؤكد أو تنفى هذا الادعاء.

وكتب المفكر الليبي “علي فهمي خشيم” في كتابه “العرب والهيروغليفية”، ( بأن العرب قد سبقوا علماء أوروبا في حل رموز الخطوط القديمة وترجمة كتاباتها إلى العربية، ولا أخال أن أوروبا توصلت إلى حل رموز الآثار والوقوف على علوم من سبق من الأمم إلا بواسطة كتب العرب وترجمتها إلى لغتهم، فمن ذلك ما رأيته بعيني وطالعت فيه بنفسي، كتاب “شوق المستهام إلى معرفة رموز الأقلام” لأحمد بن وحشية النبطي، وهنيئاً لعلماء أوروبا الذين ترجموا هذا الكتاب إلى لغتهم، فقد ترجمه الإنجليز منذ 120 سنة، ووقفوا بواسطته على آثار الأمم الماضية، فأعمال المستشرقين ووقوفهم على حل رموز الآثار ما هي إلا نتيجة بحثهم في هذا الكتاب ووقفهم عليه وإخفائه عنا حتى لا نسبقهم فيه).

** اقرأ أيضا: تاريخ مصر الخرافي.. أحداث خيالية وملوك أسطوريين لم يحكموا أبدا

ويقول المؤرخون أن “ابن وحشية” توصل في كتابه أيضا لاكتشاف الرموز التي كان يستخدمها الفراعنة في وصف بعض الأشياء مثل أسماء الكواكب، والنجوم، والمعادن، والحيوانات، والجماد وتجاوز ذلك إلى تفسير الرموز التي كانت تستخدم لبعض المعاني المطلقة مثل الروح والخير والشر وغير ذلك، كما قدم بيانا عن طبقات الكهنة المصريين المختلفة وطقوسهم وقرابينهم.

اكتشاف “ابن وحشية” المذهل، جعل العالم يتجاوز فكرة أن العلماء المسلمين والعرب اعتقدوا أن حضارة مصر الفرعونية حضارة وثنية لا تهمهم، بل جعلهم يقتنعون بأن هناك عربا علموا وألهموا الأوروبيين منذ قديم الأزل، ولا سيما أنه حتى الآن يتم عرض مخطوطة ابن وحشية في المكتبة الوطنية بلندن وباريس بالإضافة لعدة مكتبات أوربية وعالمية أخرى.

إلا أن الغريب حقا، هو أن ما توصل إليه ابن وحشية لم يتم تعميمه من قبل المؤرخين في العرب في العصور اللاحقة، بل ظلوا متمسكين بالأساطير التي تناقلوها عن الحضارة المصرية القديمة، والتي اعتبروا أنها هي التاريخ الحقيقي المجهول لتلك الحضارة البعيدة، وهو ما كان يعرف باسم “تاريخ مصر الخرافي”.

** اقرأ أيضا: أسطورة “حائط العجوز”.. سور النيل العظيم الذي حمى مصر من الأعداء