قيل عنه إنه أكبر علماء الإسلام تصنيفًا وتأليفًا بعد الطبري، إنه أبو محمد بن حزم بن غالب بن يزيد الأندلسي القرطبي، والمولود في 994 ميلادية وتوفي في 1064 عن عمر يناهز 70 عامًا.
ابن حزم ليس فقهيًا فحسب، بل كان متكلمًا وأديبًا وشاعرًا ونسابة وعالم حديث وسياسيًا، وسبق أن كان كذلك أحد الأوائل الذين قالوا بكروية الأرض، وذلك قبل العالم الإيطالي جاليليو جاليلي (1564م – 1642م) بأكثر من خمسمائة عام تقريبا.
حيث قال ابن حزم في كتابه الشهير “الفصل في الملل والأهواء والنِحل” إن: “البراهين قد صحت بأن الأرض كروية، والعامة تقول غير ذلك، وجوابنا وبالله تعالى التوفيق إن أحداً من أئمة المسلمين المستحقين لاسم الإمامة بالعلم رضي الله عنهم لم ينكروا تكوير الأرض، ولا يحفظ لأحد منهم في دفعه كلمة بل البراهين من القرآن والسنة قد جاءت بتكويرها قال الله عز وجل: (يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل)”.
ويضيف “هذا أوضح بيان في تكوير بعضها على بعض، مأخوذ من كور العمامة، وهو إدارتها وهذا نص على تكوير الأرض ودوران الشمس كذلك وهي التي منها يكون ضوء النهار بإشراقها وظلمة الليل بمغيبها وهي آية النهار بنص القرآن قال تعالى: (وجعلنا آية النهار مبصرة)”.
لكن ابن حزم لم ينل ما ناله جاليليو الذي تمت محاكمته بسبب قوله وإيمانه واعتقاده بكروية الأرض، بل كانت لابن حزم تجربة سياسية اقترب فيها من سدة الحكم بعد اعتقاده وإيمانه هذا، ولكنها تجربة غير ناجحة بالمرة.
حيث ولي ابن حزم وزارة المرتضي في بلنسية أو فالنسيا حديثًا، ولما هُزم وقع ابن حزم في الأسر، ثم أطلق سراحه من الأسر، فعاد إلى قرطبة.
وولي الوزارة لصديقه عبد الرحمن المستظهر، ولم يبق في هذا المنصب أكثر من شهر ونصف، فقد قُتل المستظهر بعد وقت قليل، وسجن مرة أخرى ثم عُفي عنه. كما تولى الوزارة ثالث مرة أيام هشام المعتد ولم يمكث كثيرًا كذلك.
كان ابن حزم شافعي الفقه، فانتقل منه إلى “الظاهرية”، ووافق العقيدة السلفية في بعض الأمور مثل توحيد الأسماء والصفات وخالفهم في أخرى، وكل ذلك كان باجتهاده الخاص.
والمذهب الظاهري مذهب يرفض القياس الفقهي الذي يعتمده الفقه الإسلامي التقليدي، وينادي بوجوب وجود دليل شرعي واضح من القرآن أو من السنة لتثبيت حكم ما، لكن هذه النظرة الاختزالية لا توفي ابن حزم حقه فالكثير من الباحثين يشيرون إلى أنه كان صاحب مشروع كامل لإعادة تأسيس الفكر الإسلامي.
وكتاب “الفصل في الملل والأهواء والنِحل” يعتبر أهم كتب الظاهري، بل أهم دراسة مقارنة بين الأديان، حيث أراد ابن حزم التعريف بعقائد أصحاب الملل غير الإسلامية كعباد الشمس والكواكب وحكماء الهند وعبدة الأصنام وغيرها كثير.
كما أورد الفقيه الظاهري آراء الفرق الإسلامية ومذاهبها كالمعتزلة والجهمية والقدرية والشيعة وغيرها، وقد جاءت دراسته متعمقة في هذه العقائد والفرق وعلى هذه الطبعة تعليقات مفيدة تخدم الموضوع.
كما تميز هذا الكتاب عن أمثاله في ذات المباحث والمواضيع بجرأة تامة في النقد وحصافة في الفكر ومناقشة أفكار الفرق ونقضها.
وابن حزم أيضاً هو صاحب كتاب “طوق الحمامة” أو “طوق الحمامة في الألفة والإلاف”، يقال إنه أدق ما كتب العرب في دراسة الحب ومظاهره وأسبابه.
ويحتوي الكتاب على مجموعة من أخبار وأشعار وقصص المحبين، ويتناول الكتاب بالبحث والدَّرس عاطفة الحب الإنسانية على قاعدة تعتمد على شيء من التحليل النفسي من خلال الملاحظة والتجربة، ففي هذا الكتاب يعالج ابن حزم بأسلوب قصصي هذه العاطفة من منظور إنساني تحليلي، ويعد والكتاب عملاً فريدًا في بابه.