قمة “جبل إفرست” هي أعلى نقطة على وجه الأرض، لكن ماذا عن أعمق نقطة؟. يُقال إنك لو أسقطت “جبل إفرست” بارتفاعه الشاهق في “خندق ماريانا” فستغمره المياه بحوالي ميل (1.6 كيلومتر)، وتسمى أعمق نقطة بهذا الخندق باسم “تشالنجر ديب”، وهي تقع غرب المحيط الهادئ شرق الفلبين، على بعد حوالي 124 ميلاً (200 كيلومتر) شرق “جزر ماريانا”، وتبلغ المسافة بين سطح المحيط و”تشالنجر ديب” حوالي 7 أميال (11 كيلومتراً).

تم تسجيل عمق نقطة “تشالنجر ديب” لأول مرة في 23 مارس 1875 من قبل السفينة البريطانية “H.M.S. تشالنجر” كجزء من أول رحلة بحرية عالمية، وسجل العلماء حينها عمقاً يصل إلى خمسة أميال أو ثمانية كيلومترات، وفي العام 1951 عادت السفينة البريطانية “H.M.S. تشالنجر” الثانية إلى الموقع مع جهاز قياس صدى الصوت، وسجلت عمق حوالي 7 أميال (11 كيلومتراً)، وذلك وفقا لما ذكرته “ناشيونال جيوجرافيك”.

رحلات استكشافية

بسبب العمق الشديد لـ”تشالنجر ديب”، فإنها نقطة مظلمة تماماً، كما أن درجة الحرارة أعلى بقليل من درجة التجمد، ويبلغ ضغط الماء فيها ثمانية أطنان لكل بوصة مربعة، أي حوالي ألف مرة من الضغط الجوي القياسي عند مستوى سطح البحر، ويزداد الضغط مع العمق.

كانت المرة الأولى التي نزل فيها البشر إلى منطقة “تشالنجر ديب” منذ نحو 59 عاماً، وتحديدا العام 1960، حيث غطس كل من جاك بيكارد ورائد البحرية الملازم دون والش في غواصة تابعة للبحرية الأمريكية تسمى باثيسكاف تريست، وبعد نزول دام خمس ساعات، أمضى الرجلان 20 دقيقة فقط في القاع ولم يتمكنا من التقاط أي صور فوتوغرافية بسبب غيوم الطمي التي أثارها مرورهم.

اقرأ أيضا: نزاع بين 3 دول حول ملكية كنز “زهرة البحر” الغارق

وتصدرت زيارة المستكشف جيمس كاميرون مخرج فيلمي “تايتانيك” و”أفاتار” لنقطة “تشالنجر ديب” في العام 2012، عناوين الصحف في جميع أنحاء العالم، وقد وصل إلى عمق 10 آلاف و908 متراً، وعرضت الزيارة على قناة “ناشيونال جيوجرافيك”.

الحياة البحرية في القاع

شكك البعض في ما إذا كانت هناك حياة بحرية في “تشالنجر ديب”، حيث يُعتقد أن الضغط الكبير يجعل عظام الفقاريات تذوب حرفياً، وبالتالي فلا تستطيع الأسماك العيش فيها، لكن لطالما أثبتت الطبيعة خطأ العلماء مرات عديدة في الماضي من خلال قدرتها الرائعة على التكيف، حتى أنطلق مشروع DEEPSEA CHALLENGE، للعثور على إجابة شافية حول حقيقة وجود حياة بحرية في قاع “تشانجر ديب”.

في السنوات الأخيرة، لمحت جرافات أعماق المحيطات والغواصات كائنات حية غريبة مثل “أمفيبودات” تشبه “الجمبري”، وحيوانات أخري شفافة تسمى “هولوثورنيانز”، لكن العلماء يقولون إن هناك العديد من الأنواع الجديدة التي تنتظر الاكتشاف، ولكن يظل السؤال حول كيفية بقاء تلك الحيوانات في هذه الظروف القاسية.

اقرأ أيضا: تابوت الملك منكاورع.. أهم كنز غارق لم يعثر عليه حتى الآن

ويهتم العلماء بشكل خاص بالكائنات الحية الدقيقة التي تعيش في تلك البقعة والتي يقولون إنها قد تؤدي إلى اختراقات في الطب الحيوي والتكنولوجيا الحيوية، ويعتقد سكان “جزر ماريانا” بأن البراكين الطينية الموجودة بالقرب من الخندق ربما تكون وفرت الظروف المناسبة لأول أشكال الحياة تحت المحيط.

ووفقًا لخدمة الأسماك والحياة البرية في الولايات المتحدة، تمت ملاحظة عينة من الطين مأخوذة من منطقة “تشالنجر ديب” من قبل علماء المحيطات في “كايكو”، وتم اكتشاف حوالي 200 كائن حي دقيق مختلف تعيش في بيئة قاسية، وتخضع لـ16 ألف رطل لكل بوصة مربعة من الضغط الهيدروستاتيكي، كما يحتوي قاع المحيط في “تشالنجر ديب” على رواسب أسماك حيوية بيولوجية.

التلوث في الأعماق

في زيارة فيكتور فيسكوفو لـ”تشالنجر ديب”، حيث استطاع الوصول إلى حوالي 10 آلاف و928 متراً، اكتشف ما يدعو للقلق، حيث رأى مواد معدنية وبلاستيكية، وعلق عن هذا قائلاً “من المحبط للغاية رؤية تلوث بشري واضح في أعمق نقطة بالمحيط”، كما أنه وجد في تحليل سابق لحيوانات صغيرة في أعماق البحار في “خندق ماريانا” أن أعماق المحيط تحتوي على مستويات عالية من التلوث، وتم عرض الرحلة الأستكشافية لفيكتور على شبكة قنوات “بي بي سي”.

لذلك صنفت الحكومة الأمريكية “خندق ماريانا” كمنطقة محمية طبيعية، بل أنشأ الرئيس السابق جورج دبليو بوش عام 2009 نصباً تذكارياً وطنياً بحرياً بشأنه، ويتم إجراء البحث العلمي بتصريح من قبل مصلحة الأسماك والحياة البرية الأمريكية.

وتقوم شركة Atlantic Productions بتصوير حلقات وثائقية من خمسة أجزاء تسميThe Five Deeps Expedition لقناة Discovery وذلك في غواصة The Limiting Factor، وتتمثل مهمة الحلقات التوثيقية في إجراء مهام تفصيلية لرسم خرائط السونار في أعمق خمسة مواقع في المحيطات، فبالإضافة إلى “خندق ماريانا”، تم الانتهاء من تصوير حلقات عن “خندق بورتوريكو” في المحيط الأطلسي، و”خندق ساندويتش الجنوبي” في المحيط الأطلسي، و”خندق جافا” في المحيط الهندي، و”قاع مولي ديب” في المحيط المتجمد الشمالي.